Abstract:
يشكل التعذيب خلال الثورة التحريرية الجزائرية أحد أكثر الصفحات السوداء في تاريخ الاستعمار الفرنسي، لما تميّز به من وحشية ممنهجة تخطت كل الأعراف والقوانين الإنسانية. فقد لجأت الإدارة الاستعمارية إلى ممارسة العنف بأبشع صوره لقمع إرادة الشعب الجزائري، واحتواء انتفاضته التي اندلعت كرد فعل طبيعي على القمع الدموي الذي مورس منذ مجازر 8 ماي 1945، وما رافقها من انتهاكات جسيمة. ومع اشتداد لهيب الثورة، تحوّل التعذيب من مجرد وسيلة استنطاق إلى سياسة عامة هدفها كسر الروح النضالية للجزائريين وإفشال مشروع التحرر الوطني، وهو ما تجلى في تنوع أشكاله وأساليبه، وتوسع نطاقه الجغرافي والمؤسسي، ليشمل المدنيين والعسكريين، النساء والرجال، في المدن والمداشر، عبر مراكز وسجون سرية ورسمية. كما كشفت الوثائق والشهادات أن هذه الممارسات لم تكن فردية أو معزولة، بل منظمة ومدعومة من أعلى هرم السلطة الاستعمارية، وبتورط واضح لأجهزة الأمن والجيش، وحتى بعض الأطر المدنية.
وقد توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى جملة من النتائج، أبرزها:
- أن التعذيب كان سياسة ممنهجة ومؤسساتية، وليس مجرد تجاوزات فردية.
- أن وحشية التعذيب لعبت دورًا عكسيًا، إذ زادت من التفاف الشعب حول الثورة، وعزّزت قناعته بعدالة قضيته.
-أن التعذيب شكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ولحقوق الإنسان الأساسية، مما يستدعي مساءلة تاريخية وأخلاقية.
وفي ضوء هذه النتائج، نوصي بضرورة:
- دعم جهود التوثيق والبحث في هذا الموضوع لحفظ الذاكرة الوطنية.
- تضمين هذه الجرائم في المناهج التعليمية لتعزيز الوعي بتاريخ الاستعمار وممارساته.
- مواصلة الضغط من أجل اعتراف رسمي فرنسي بالجرائم المرتكبة، وعلى رأسها التعذيب، كخطوة نحو العدالة التاريخية وجبر الضرر المعنوي للشعب الجزائري.
وفي الختام، نرجو أن تكون هذه المساهمة المتواضعة قد وفّت الموضوع حقه، وساهمت في تسليط الضوء على جانب مؤلم من تاريخ الجزائر، هو التعذيب الذي مورس خلال الثورة التحريرية، بما يحمله من معاناة وصمود وشرف. لقد سعينا بجهد متواضع إلى استعراض الحقائق وتقديم قراءة موضوعية، علّها تكون لبنة في مسار كتابة الذاكرة الوطنية وحفظها للأجيال القادمة. وإن كان في عملنا هذا ما يُصيب، فبفضل الله وتوفيقه، وإن كان فيه نقص أو تقصير، فذاك جهد البشر، والكمال لله وحده.