Abstract:
إن قضية حقوق الإنسان هي قضية العصر و إن احترامها و الدفاع عنها يمثل الجانب المتحضر في الضمير العالمي و الإنساني .
ولما كانت حقوق الإنسان و أهميتها تنبع من حقيقة منحها للإنسان ، بحكم انه إنسان ،بغض النظر عن إي اعتبار أخر ،فهي لصيقة بالإنسان دون إي اعتبار لجنسيتيه ، أو لونه أو نوعه أو عقيدته .
واكتسبت حقوق الإنسان كفالة احترامها ميزة خاصة و أهمية بالغة من جانب الدول و ذلك بعدما وقع وصادق أعضاء المجتمع الدولي من دول و منظمات دولية على آليات معقدة و كثيفة لحماية وترقية حقوق الإنسان و أصبحت الدول في الوقت المعاصر تتنافس وتتسابق على تكريس حقوق الإنسان خاصة بعدما أصبح المجتمع الدولي يعتمد ويستند في تعامله مع الدول الأكثر احتراما لحقوق الإنسان كمعيار أساسي لإبرام هذه العلاقات بشتى أنواعها .
ولكون حياة الدول ليست كلها تقدما و ازدهارا مبنية على استقرارها في الداخل وسطوتها في الخارج بل هي لا تسير على منوال واحد وهي معرضة أيضا للأخطار و الأزمات وقد تتعرض لها بأكثر حدة ، ويتجسد هذا من الناحيتين الداخلية و الخارجية و قد تواجه الدولة أخطارا ومحن عصيبة تعصف بها و تهدد كيانها وحدودها كنشوب الصراعات المسلحة و وقوع الثورات أو الانقلابات أو انتشار الفتن أو الإرهاب السياسي أو الكوارث الطبيعية هذا من الناحية الداخلية ،أما من الناحية الخارجية فقد تتعرض لغزو خارجي أو تدخل في حرب أو بالتدخل في شؤونها الداخلية ، وهو ما يجعل كيانها السياسي ،أي أمنها و سيادتها معرض للخطر وليس أي خطرفحسب ،بل هو ذلك ذلك الخطر الحال أو وشيك الوقوع وسواء كناأمام هذه الحالة أو تلك ،و مما لا اختلاف فيه فإن تلك الظروف باختلاف مصدرها و طبيعتها ، أيا كانت التي تطرأ على حياة الدولة هي بالدرجة الأولى ظروفا واقعية أو مادية حتى وإن اختلفت في درجة خطورتها و صورها فهي على أية حال ظروفا استثنائية طارئة تدفع بالدولة بالتصدي لهذا الخطر بشكل سريع و ولو أدى ذلك إلى خرق قواعد المشروعية العادية من أجل الصالح العام للأفراد وهو ما يترتب عليه :
حلول الإجراءات الإستثنائية محل الإجراءات العادية لمواجهة ذلك الخطر الذي يهدد الدولة في بقائها و قيامها،ذلك الخطر الذي يتعذر على الدولة مجابهته بالإجراءات و القوانين العادية مما يستدعي حتما الخروج عن المألوف من قواعد القانون إلى قواعد أقل ما يقال عنها إنها ماسة بجانب أو أكثر من الحقوق و المكتسبات التي تحميها نصوص القانون لصالح الأفراد و المؤسسات ، سيما إذا كان موضوع هذا النظام الهدف الأسمى و النهائي له هو تأمين الحقوق والحريات الإنسانية .
و هذه الحقيقة تفرض على الدول ضرورة اللجوء إلى تطبيق إجراءات و تدابير إستثنائية أو غير عادية بهدف التصدي لهذه المخاطر بمايناسبها، و يعتبر لازمالمواجهة تبعاتها ،بما في ذلك من فرض القيود على ممارسة الأفراد لجانب من الحقوق و الحريات ،و إذا كانت الدول أخذت من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأدخلت هذه الحقوق في صلب دساتيرها و أبدت استعدادها لتوفيرها للإنسان حتى في أصعب الظروف فإن هذا وحده لا يكفي بل لا بد لهذه الدول إماإزالة المعوقات التي تحول بين الإنسان وحقه في أن يعيش متمتعا بتلك الحقوق و أن تناضل ضد هذه الإجراءات الإستثنائية التي تشكل بطبيعتها انتهاكا و خرقا لحقوق الإنسان و للتعرف على اثر الظروف الاستثنائية و الإجراءات غير العادية التي تتخذ في مواجهتها في نطاق القانون الدولي يتوجب علينا الرجوع إلى نصوص الاتفاقيات و الإعلانات الدولية حول حقوق الإنسان و مبادئ الأمم المتحدة التي تخاطب المجتمع الدولي خاصة منها تلك التي عالجت في بنودها و نصوصها حالة الظروف الاستثنائية التي يمكن إن تواجهها الدولة و هو ما بجعل هذا الموضوع جديرا بالبحث و الدراسة من كل جوانبه و أبعاده النظرية و التطبيقية و الفقهية و القانونية و الاجتماعية و غيرها .
لذلك حاولت من خلال هذا البحث إلقاء الضوء على هذه الجزئية من القانون الدولي لحقوق الإنسان في مدى تأثير الظروف الاستثنائية و الإجراءات الاستثنائية المطبقة في مواجهتها و الظوابط التي تحكمها من خلال المعاهدات الدولية الإقليمية و العالمية و التي اهتمت بهذا الجانب خصوصا.