dc.description.abstract |
احتلت الهيرمنيوطيقا مكانة مميزة في الفلسفة المعاصرة و أصبحت تمثل اتجاها فكريا قائما بذاته يتطرق لعدة مجالات للمعرفة مثل مسألة نسبية الحقيقة و اندراج الذاتية في تفسيرات النصوص المختلفة و هذه الأخيرة كانت احدى خصائص الفكر الهيرمنيوطيقي المعاصر و لنفهم جيدا معالم هذا الفكر كان لبدى أن نتناول أصل مصطلح الهيرمنيوطيقا و تطور مفهومه عبر ثلاث مراحل.
أصل كلمة الهيرمنيوطيقا مشتقة من الفعل اليوناني هيرمنيون و معناه التفسير, الإظهار, التبين ,الترجمة مرتبطة بالإله هيرمس رسول الآلهة عند اليونان, الذي كان مكفل بنقل الرسائل بين زيوس و باقي الالهة أو من زيوس الى البشر, لذا وجب له أن يكون ملما بلغة الآلهة و لغة البشر ليتمكن من افهام البشر مراد الآلهة و العكس, أي يشتغل مترجم بينهم و كان أول من اعتمده هو ارسطو في كتابه الأرغانون ,و في القرون الوسطى اعتمد هذا المصطلح بمعنى تأويل و تفسير الكتاب المقدس, ليتوسع بعد ذلك و يشمل باقي النصوص الأدبية و الفلسفية و لا يختصر على النصوص الدينية و أول كتاب في الهيرمنيوطيقا لدان هاور بعنوان الهيرمنيوطيقا, فليس للهيرمنيوطيقا تعريفا محدد بل تختلف باختلاف اتجاه الفيلسوف فمثلا يعرفها شلايماخر على أنها علم تفسير النصوص الدينية بينما دالتاي يعرفها على أنها منهج المعرفة في العلوم الإنسانية, أما هيدغر و غادامير فيعرفانها على أنها البحث عن حقيقة الفهم و فلسفته.
مرت الهيرمنيوطيقا بثلاث مراحل أولها الكلاسيكية و التي نشأة بعصر النهضة الأوروبية بالقرن 16 م تدعوا الى الإصلاح الديني و أن يقضى على مرجعية الكنيسة في تفسير الكتاب المقدس و ليكن كل شخص حر في تفسير الكتاب المقدس وفق قواعد و مناهج محددة طرحت و هي السبب في تأسيس الهيرمنيوطيقا الكلاسيكية التي عرفت على أنها علم يبين لنا المنهج الصحيح لفهم النص الديني و منطق إزالة الغموض و الابهام عن النص المقدس و بالتالي يبدأ دور الهيرمنيوطيقا عندما يكون النص غامضا, ليركز الفهم على تفسير الأشياء الغامضة بالنصوص, لتمر الى المرحلة الثانية التي عرفت بالهيرمنيوطيقا الرومانسية مؤسسها شلايماخر نقلها من تفسير النصوص الدينية ووسع نطاقها لتشمل النصوص المختلفة و تميزت هذه المرحلة بإعطاء كل نص جانب موضوعي يتمثل في اللغة و يحمل أكثر من معنى و لفهمه يكفي أن نتقن اللغة و قواعدها و جانب آخر ذاتي يحتمل معنى واحد خاص بالمؤلف و لإدراكه يجب الولوج في ذهن المؤلف من خلال التعرف على الظروف التاريخية و الثقافية التي كانت تحيط بالمؤلف حين تأليفه لنصه, فاللغة مجرد وسيط أو جسر لنقل أفكار المؤلف الى القارئ و لكن اللغة وحدها غير كافية لفهم النص فيجب أن يكون للقارئ القدرة على الحدس و التأمل في قصد المؤلف و مراده من النص, و هذا الحدس لا يكشف عن قصد المؤلف بشكل مطلق و تام و ذلك للفارق الزمني بين الكاتب و القارئ مما يصعب عليه الفهم التام, لذلك وجب وضع قواعد و قوانين تمثلت في الهيرمنيوطيقا من شأنها أن تساعد القارئ على عدم الوقوع في سوء الفهم, و لكن هذه القواعد لم تنحصر في المكتوب و تعدته للمنطوق لتشمل المتكلم, فللنص معنى واحد و مقصد واحد للمؤلف و ليس معاني متعددة لذا وجب على القارئ ادراكه و ان صعب عليه ذلك عليه اعتماد قواعد الهيرمنيوطيقا يقول شلايماخر:" الهيرمنيوطيقا هي فهم النص كما فهمه مؤلفه بل أحسن منه" و يقصد أن المفسر تتوفر لديه مجموعة ظروف و أدوات لفهم النص لم تكن متوفرة لدى صاحب النص نفسه, كل ما سبق مهد لظهور الهيرمينوطيقا الفلسفية في القرن العشرين على يد مارتن هيدغر و الذي طورها بعده تلميذه هانز غادامير و قد تميزت هذه المرحلة بالتركيز على البحث عن معنى الفهم و حقيقته و تفسيره, عندما نقرأ نص معين لا نركز على الأشياء الغامضة به مثلما كان بالهيرمنيوطيقا الكلاسيكية و لا على قصد المؤلف مثلما كان في الهيرمنيوطيقا الرومانسية و انما نركز على مفهومنا الشخصي للنص من خلال مرورنا بمراحل الفهم حسب غادامير و لا يجب التركيز على قصد المؤلف و هذا ما يسمى باستقلالية النص فعندما يؤلف أحدهم كتاب ينتهي دوره هنا و لا يملك بعد ذلك سيطرة على معانيه فقد أصبح كيان مستقل و يمكن لأي مفسر أن يفهم معانيه حسب منظوره حتى و ان كان مختلف عن تفسير صاحب الكتاب, فيصير فهم المؤلف ليس هو الحكم النهائي و القطعي للقراء و انما هو تفسير الغير فالنص ثابت و التفسيرات متغيرة و هذا ما سماه غادامير بموت المؤلف, فعملية فهم النص هو حوار بين النص و المفسر أي أن المفسر يطرح أسلة على النص و النص يجيب الى أن يخرج المفسر بفهم معين للنص وفق آراءه المسبقة عن النص و بالتالي تظهر الذاتية و لكنها ليست مطلقة ,و تفسير هذا الأخير لن يكون مطلق و أخير و لا يوجد تفسير خاطئ و تفسير صحيح فكلها صحيحة نسبيا و هذا ما سمي بالحقيقة النسبية و ذلك لأن توقعات المفسر ستأثر على تفسيراته للنص فالماركسي يتوقع من النص أن يؤيد أفكاره , و مهما اختلف مجال النص الادب او الدين او ..الا ان قواعد الهيرمنيوطيقا ستنطبق عليه لتركيزها على الجانب اللغوي المشترك, الا أن الفلاسفة المعاصرين لغادامير و هيدغر لم يتفقوا جميعا مع افكارهما أمثال داريدا و هيرش اللذان اعتمدناهما كنموذج في بحثنا و اعتبروا أن الهيرمنيوطيقا الفلسفية لغادامير تحتوي على الكثير من الأبعاد و الأبحاث التي تستحق النقد و النقاش من بينها محاولة البحث في مكونات الفهم و المنهج كل ذلك في بحث واحد و كان واجب عليه اعتماد كل على حدا لاتساع منظوره و مجاله ضف الى أن الهيرمنيوطيقا الغاداميرية تعاني من النزعة النسبية و الميول الذاتية فنظريته قائمة على التاريخية الذاتية للفهم, و أغفل الجوانب الثابتة من وجود الانسان.
من خلال الدراسة السابقة و التي بالرغم من المجهود المبذول لم نتمكن من اعطا الموضوع حقه لكونه مترابط بمواضيع آخرى متعددة و متداخلة و قد خلصنا الى بعض النتائج نذكر منها:
- تأثر غادامير في فلسفته بفلسفة مارتن هيدغر
- يرى غادامير أن التأويل مرتبط بفهم الوجود و فهم الفهم.
- مهمة الهيرمنيوطيقا تبين لنا الكيفية التي يتجلى لها الوجود من خلال التعبيرات.
-تجاوز غادامير المعنى السطحي الى الباطني من خلال فهم الوجود و فهم الفهم.
- هدف الهيرمنيوطيقا الغاداميرية هو تجاوز الارتباط بالموجودات الى فهم الوجود لفهم البشرية.
- ما أضاف غادامير لفلسفة هيدغر هو نقلها من الوجودية الى أبعد من ذلك و هو فهم الفهم.
- انتقد غادامير من طرف معاصرييه أمثال هيرش و دريدا و ريكور.
أخيرا و ليس أخرا فأمل أن يرتبط مصطلح الهيرمنيوطيقا بالفكر العربي مثلما أقترن بالفكر الغربي ليولد للوجود الهيرمنيوطيقا العربية. |
en_EN |