Abstract:
لقد دخلت تونس في عهد جديد من تاريخها بقدوم حمودة باشا الحسيني،هذا بفضل سياسته الحكيمة وحنكته المستمدة من تاريخه الحافل بالانجازات حتى قبل وصوله للسلطة حين كان وليا للعهد أيام والده "علي باي"، وبجلوسه على العرش تغيرت ملامح البلاد التونسية نحو الأفضل في مختلف المجالات، وهذا الانجاز لم يأتي من العدم بل مرده إلى شخصية الباي حمودة القادرة على تولي المسؤوليات والى قوة حزمه وغيرته على الوطن واندفاعه الشديد نحو كل ما يجلب المنفعة والخير للبلاد.
كما استفاد من خبرات الموظفين الحكوميين لديه من وزراء ومستشارين، إضافة إلى ترقبه ومواكبته لما توصلت إليه دول الخارج خصوصا ما كان يحدث في أوربا من تطور وازدهار بفضل ثورتها الصناعية والفكرية، وبناء على ما سبق فقد استغل حمودة باشا العوامل السابقة لصالحه، وسعى لبذل كل الجهود حتى يحسن من وضع البلاد الداخلي، ومن أهم الاستنتاجات التي توصلنا إليها في هذه الدراسة حول سياسة هذا الباي ما نوجزه كالآتي:
-أثبتت الدراسة أن الباي استطاع توحيد الكلمة و إبعاد الفتنة والمؤامرات حيث قام بتحسين العلاقة المتوترة بين أفراد العائلة الحسينية، فقرب إليه ابن عمه محمود باي وأخواته وسعى إلى تلبية مطالبهم ومجاملتهم، كما قام بتقليص دور الأتراك في البلاد، حيث كانوا يترفعون عن السكان الأصليين، وقد بلغ بهم الأمر إلى التمرد على الباي ونظرا إلى طبيعة الأتراك العسكرية المتأصلة وجهلهم للأمور الإدارية والفنية، سعى الباي إلى إعطاء التونسيين نصيبهم للمشاركة في حكم البلاد، و بادر إلى ضخ دماء جديدة وفكر جديد في الدولة من خلال تعيين الشباب في المناصب الإدارية
- تقوية الجيش من أجل حفظ الاستقرار في البلاد والدفاع عنها من الأخطار الخارجية خصوصا المضايقات الجزائرية و تدخلها في أمور تونس، وقد عمد الباي إلى جلب العناصر المحلية وتدريبهم من أجل إدماجهم في جيشه فيما بعد، ومما دفعه لهذا الأمر هو علاقته التي
تميزت بالحيطة والحذر بالأتراك الذين قاموا بإحداث الفوضى والاضطرابات كما حدث سنة 1802م في العاصمة، وليكون الجيش أكثر فعالية قام ببناء المصانع الحربية و تدعيمه بالأسلحة المتطورة خصوصا الأوربية منها، ولقد نجح الأمر حين أثبت الجيش كفاءته وقدرته القتالية من خلال الحروب التي خاضتها تونس في السنوات القادمة وحقق فيها الجيش التونسي انتصارا باهرا أبرزها حربه ضد الجزائر سنة 1807م.
- كما أثبتت الدراسة أن الباي اتبع سياسة اقتصادية قائمة على تنمية الإنتاج الوطني وتشجيعه و تأمين الحماية له، وقد نجح الباي في تطبيق سياسته حيث وفر المناخ المناسب للفلاحين للعمل وأسقط عنهم ما كانوا يدفعونه من ضرائب باهظة أدت بهم إلى العزوف عن أراضيهم، و تشجيع الصناعات المحلية بإبطال عادة لبس المصنوعات الأجنبية المستوردة من الخارج، حيث بدأ بنفسه ليحذوا حذوه أعوانه و الأهالي، كما قام بتنشيط التجارة الداخلية و التي استمدت خاماتها الأولية من المنتوجات المحلية، وتنظيم عملية المبادلات التجارية في أسواق جديدة مثل سوق الباي، وبهذا أقبلت الناس في دولته على الفلاحة و المتاجر والصناعات وكثر العمران ونمت الأموال و ظهرت الثروة.
- أبطل الباي بعض العادات السيئة الدخيلة على المجتمع التونسي، وهذا من أجل تغيير الذهنيات وتصحيح سلوكات أفراد المجتمع، والمساهمة في البناء العلمي والحضاري، و أهم ما كان يؤرق المجتمع هو الجانب الصحي، فقد عرفت تونس خلال فترات مختلفة أمراضا و أوبئة ساهمت في تأخير المجتمع وإضعافه، لهذا عمل الباي على ضمان طرق من أجل حماية الرعية ولو بدرجات قليلة من الوقاية، وعمل على جلب أطباء وخبراء للخدمة في تونس، وبهذا تفتحت تونس على بعض مظاهر الحضارة الغربية و انجازاتها.