Abstract:
نكون قد تعرفنا من خلال هذه الدراسة في مجال التاريخ على فترة مهمة من تاريخ وهران
أما فيما يتعلق بالعمائر الدينية، فإننا تعرفنا على نمطين مختلفين في تخطيط المساجد انتشرا خلال الفترة العثمانية في الجزائر،
وأما النمط الثاني فهو الذي تشكل فيه القبة العنصر الأساسي وقد تجسد في جامع الباشا، ومع هذا النمط اختفت البلاطة الوسطى التي تعتبر من أبرز سمات المساجد الإسلامية، والنمط هذا هو الذي حمله العثمانيون معهم إلى المغرب الإسلامي، وما دمنا بصدد الحديث عن جامع الباشا فلابد أن نذكر الظاهرة الجديدة في عنصر الصحن، الذي أخذ شكلا نصف دائري، شكل لم تعرفه صحون مساجد المغرب الإسلامي على الأقل. وعليه فإننا نعدّ الأمر ابتكارا جديدا قد يعبر عن قوة شخصية الباي محمد الكبير التي تمّيّز بها.
وفيما يخص المآذن فقد استخدم طرازان، المئذنة ذات المسقط المربع الموروثة عن التراث المغربي الأندلسي، والمئذنة ذات المسقط المضلع التي ظهرت في الجزائر خلال الفترة العثمانية، وتشكلت جميع المآذن الثلاثة المدروسة من طابقين، ويصعد إلى قممها عبر درج صاعد يلتف حول دعامة مركزية مصمتة.
وأما فيما يخص العناصر المعمارية، فقد استخدمت في العمائر الدينية إلى جانب التيجانالتي عرفتها الجزائر إبان العهد العثماني ولاسيما المحلية والكورنثية؛ تيجان ذات أصول مغربية أندلسية، إلى جانب نوع جديد من التيجان لم يسبق وأن شاهدنا ما يشبهه في عمائر المغرب وربما المشرق أيضا وهو الذي توّج دعامات وأعمدة بيت صلاة جامع الباشا. كما استخدمت كثيرا العقود الزخرفية التي شهدتها الفترات السابقة، ويبدو التطور في ظهور شكل جديد من العقود لم يعرف من قبل وان كان شبيها بالعقود المفصصة، وهو الذي رأيناه على واجهات مئذنة مسجد الباي.
وفي مجال الزخرفة، ظهر التأثير الزياني جليا، خصوصا في بعض الزخارف الكتابية في جامع الباشا، كما يلاحظ استخدام الخط الكوفي بشكل جميل جدا، في وقت اعتقد بعض الباحثين خطأ أن هذا الخط لم يعد يستخدم مطلقا خلال الفترة العثمانية.
والأكيد أن الباي محمد الكبير لم يسجل اسمه في صفحات التاريخ فقط من خلال فتحوهران، إنما سجل اسمه أيضا في ميدان العمارة من حيث منشآته المعمارية التي لا تزال قائمة والتي تضمّنت تلك العناصر المبتكرة.
وما نؤكد عليه هو ضرورة الاهتمام بهذه المباني وترميمها والتي مازالت تعاني التهميش وعدم المبالاة، ومنها قصر الباي الذي نال القسط الأكبر من التخريب والتشويه، فالكثير من سقوف غرفه انهارت وما بقي منها مهدد بالانهيار في أي وقت، وأيضا المساجد وخصوصا مسجد الباي الذي تكاد تلتصق به البنايات من جوانبه الثلاثة، أما المآذن فقد أصيبت بالكثير من التصدعات والتشققات وأصبحت وكرا للطيور.
وفي الأخير ما أحسب هذه الدراسة سوى مساهمة متواضعة من جانبي، قدّرت أن تضيف جديدا إلى حقل الأبحاث في بلادنا المهتمة بالعمارة الإسلامية عموما، مع اعترافي أنها لا تستجيب لكل تطلعات الباحثين المشتغلين في هذا الميدان.