الخلاصة:
تستعرض هذه الدراسة قضية المسؤولية الجزائية عن فعل الغير، باعتبارها واحدة من القضايا القانونية الأكثر تعقيداً في الآونة الأخيرة، ومن أبرز الموضوعات التي أثرت على المبادئ الأساسية للقانون الجزائي. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الأساس القانوني لهذه المسؤولية، التي تحظى باهتمام بعض التشريعات كجزء من التوجه الحديث نحو تطوير أحكام المسؤولية الجزائية. تحتل إشكالية المسؤولية الجزائية عن فعل الغير موقعاً محورياً في الفكر القانوني المعاصر، لاسيما في ظل التطورات الدولية التي تشهدها النظم القانونية. وتبرز هذه الإشكالية باعتبارها مفهوماً متناقضاً بين تيارات فقهية تدعم الحاجة إلى تطوير هذه المسؤولية بما يتلاءم مع المستجدات، وأخرى تعارضها وتدعو إلى رفضها بشكل قاطع لما تنطوي عليه من تأثيرات على المبادئ التقليدية للقانون الجزائي. وتكشف النقاشات الراهنة أن هناك انقساماً واضحاً بين التيارات الفقهية؛ فمن جهة، هناك اتجاه يدعو إلى مواكبة التحولات القانونية العالمية رغم ما قد تفرضه من تحديات على النظام القانوني الجزائي. ومن جهة أخرى، هناك تيار يرفض تلك التوجهات وينادي بضرورة الحفاظ على المبادئ التقليدية وعدم الإخلال بها. تهدف الدراسة، في هذا السياق الجدلي، إلى تحليل شامل لجوانب المسؤولية الجزائية عن فعل الغير، مع التركيز على تحديد طبيعتها وخصائصها، والأحكام التي تضبط تطبيقاتها. وتسعى كذلك إلى تسليط الضوء على ما يترتب عليها من آثار قانونية، مع إبراز أوجه القصور التي قد تعتري هذا النوع من المسؤولية. ولتحقيق هذا الهدف تم تقسيم الدراسة إلى محورين رئيسيين: يتناول المحور الأول الجوانب المفاهيمية للمسؤولية الجزائية، فيما يركز المحور الثاني على الآثار المترتبة عليها والصعوبات المرتبطة بتطبيقها. خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج المهمة، من أبرزها وجود نصوص قانونية في التشريعين الفرنسي والجزائري تُقرّ بمسؤولية الشخص عن فعل الغير، وذلك بوجه خاص في المجال الاقتصادي، بالنظر لغياب قانون جنائي اقتصادي مستقل في كثير من الأنظمة القانونية. كما أبرزت الاعتبارات المتعددة التي دفعت بعض التشريعات إلى تبني هذه المسؤولية كإطار حديث يعالج القضايا المستجدة. في الختام، توصلت الدراسة إلى عدد من التوصيات التي قد تسهم في إغناء النقاش الفقهي والتشريعي حول هذا الموضوع الحساس. وتحدد هذه المقترحات أهم الجوانب التي ينبغي للمشرع أخذها بعين الاعتبار أو الاسترشاد بها عند صياغة قوانين ذات صلة، من أجل تحقيق التوازن بين التطور القانوني والحفاظ على مبادئ العدالة الجزائية.