Abstract:
يتناول هذا البحث موضوعًا محوريا في مجال القانون الإداري، وهو دور القاضي الإداري في معالجة ركن الغاية في القرارات الإدارية. يُعد ركن الغاية أحد الأركان الأساسية للقرار الإداري، ويتمثل في الهدف أو المقصد النهائي الذي تسعى الإدارة إلى تحقيقه عند إصدار القرار. ويشترط أن تكون هذه الغاية مشروعة، أي أن تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وليس أية مصالح خاصة أو شخصية.
غير أن الإدارة قد تنحرف أحيانًا عن الغاية المشروعة، وتستخدم سلطتها لأغراض غير قانونية، مثل الانتقام أو تحقیق مصالح فردية أو سياسية، وهو ما يعرف في الفقه والقضاء الإداري بـ عيب الانحراف في استعمال السلطة . ويعد هذا العيب من أكثر العيوب صعوبة في الإثبات، لأنه يتعلق بنية الجهة الإدارية، وهي مسألة داخلية لا تكشف بسهولة.
هنا يتدخل القاضي الإداري للرقابة على ركن الغاية من خلال فحص الظروف والقرائن المحيطة بالقرار، مثل توقيت اتخاذه، مضمونه، الخلفيات التي سبقته، وطبيعة العلاقة بين الإدارة والشخص المعني بالقرار. ولا يكتفي القاضي بالشكل الظاهري للقرار، بل يسعى للكشف عن نية الانحراف إن وجدت، باستخدام وسائل متعددة كالمراسلات الإدارية التحقيقات، أو حتى شهادات الأطراف.
وعندما يتبين للقاضي أن الإدارة لم تتوخ من قرارها تحقيق الصالح العام، وإنما سعت إلى غايات غير مشروعة، فإنه يعلن بطلان القرار، باعتباره مشوبًا بعيب الانحراف بالسلطة . ويُعتبر هذا النوع من الرقابة القضائية تجسيدا لسيادة القانون، وحماية لحقوق الأفراد من تعسف الإدارة.
مع ذلك، فإن سلطة القاضي الإداري تبقى مقيدة، حيث لا يجوز له أن يُقيم ملاءمة القرار الإداري، بل يقتصر دوره على مراقبة مشروعية الغاية. كما أن إثبات نية الانحراف يتطلب جهدا قضائيا دقيقًا، يجعل من هذه الرقابة أحد أكثر أوجه الرقابة القضائية تعقيدا.
وفي الختام، فإن ركن الغاية يُمثل الضمانة الأهم لتحقيق عدالة القرار الإداري، وتُعد رقابة القاضي الإداري عليه وسيلة فعالة لضمان احترام الإدارة لمبدأ المشروعية. وعلى الرغم من التحديات المرتبطة بإثبات الانحراف، فإن الدور القضائي في هذا المجال يظل أساسيًا لتكريس الثقة في العمل الإداري وحماية حقوق الأفراد.