Abstract:
وختامًا، فإن هذه الدراسة، وإن حاولت الإحاطة بجوانب متعددة من الموضوع، تبقى محاولة أولية قابلة للتطوير والتوسيع، خاصة في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها القطاع المالي. ونأمل أن تسهم في إثراء النقاش العلمي والمهني حول مستقبل الصيرفة الإسلامية في الجزائر، ومكانتها في دعم التنمية المستدامة.
أولاً: النتائج
من خلال دراسة واقع عمليات الصيرفة الإسلامية في الجزائر في ظل القانون النقدي والمصرفي 23-09، تم التوصل إلى جملة من النتائج الهامة التي يمكن عرضها كما يلي:
1. القانون 23-09 يمثل نقطة تحول في تقنين الصيرفة الإسلامية بالجزائر حيث يُعد أول قانون رسمي يُدرج التمويلات الإسلامية ضمن الإطار البنكي العام، ويُقرّ صراحة بإمكانية إنشاء نوافذ ومؤسسات مصرفية إسلامية.
2. وجود رغبة فعلية لدى السلطات الجزائرية لتطوير هذا القطاع. وهو ما يتجلى من خلال ترسانة قانونية جديدة، وتوسيع صلاحيات بنك الجزائر في مجال الرقابة والإشراف، خاصة على النوافذ الإسلامية.
3. تنوّع صيغ التمويل الإسلامي المعتمدة، لكن التطبيق لا يزال محدودًا رغم الاعتراف القانوني بالمرابحة، الإجارة، المشاركة، والمضاربة، إلا أن أغلب البنوك تركز عمليًا على صيغ بسيطة كبيع المرابحة، بسبب نقص الخبرة والخوف من المخاطر.
4. الرقابة الشرعية داخل البنوك ما تزال شكلية في بعض الأحيان إذ أن عددا من المؤسسات تفتقر إلى هيئات شرعية مستقلة ومتخصصة، مما قد ينعكس على مصداقية المنتجات الإسلامية في نظر المتعاملين.
5. ضعف التكوين في مجال المالية الإسلامية يعد من أبرز العوائق حيث سجلنا نقصًا في التأهيل الأكاديمي والمهني للإطارات البنكية والقانونية في التعامل مع خصوصيات الصيرفة الإسلامية.
6. غياب بيئة مالية متكاملة داعمة للصيرفة الإسلامية
مثل التأمين التكافلي وسوق الصكوك الإسلامية، وهو ما يحدّ من فعالية عمل هذه البنوك، خصوصًا في إدارة السيولة وتمويل المشاريع الكبرى.
7. إقبال محتشم من طرف الزبائن، يعود غالبًا إلى غياب الوعي مازال جزء كبير من المجتمع يجهل طبيعة ومزايا التمويلات الإسلامية، أو يشكّك في شرعيتها بسبب ضعف الترويج والشرح من طرف المؤسسات المصرفية.
ثانياً: التوصيات والاقتراحات
انطلاقًا من النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة حول واقع الصيرفة الإسلامية في الجزائر، وتقييم فعالية القانون النقدي والمصرفي 23-09 في تنظيمها، نُقدّم فيما يلي مجموعة من التوصيات التي نراها ضرورية لتعزيز هذا القطاع وتذليل العقبات التي ما تزال تعترض طريقه:
1. ضرورة إصدار النصوص التنظيمية التطبيقية: ينبغي على السلطات المختصة، وعلى رأسها بنك الجزائر، الإسراع في إصدار المراسيم التنفيذية والتعليمات التي تفصّل كيفية تطبيق التمويلات الإسلامية، بما يرفع الغموض ويُيسّر العمل الميداني للبنوك والنوافذ الإسلامية.
2. توسيع التكوين والتأهيل في المالية الإسلامية: من المهم إدماج تكوين متخصص ومستمر لفائدة الإطارات البنكية والقانونية في مجال الصيرفة الإسلامية، سواء عبر الجامعات أو معاهد التكوين، حتى يتم ضمان كفاءة مهنية تتماشى مع طبيعة هذه المعاملات.
3. تعزيز دور الرقابة الشرعية: يُوصى بتقوية دور الهيئات الشرعية داخل البنوك الإسلامية، ومنحها استقلالية واضحة، مع التنسيق بين هذه الهيئات وبنك الجزائر لضمان توحيد المرجعية الفقهية في العمل المصرفي الإسلامي.
4. تشجيع الابتكار في المنتجات المصرفية الإسلامية: ينبغي العمل على تطوير أدوات مالية إسلامية حديثة تتماشى مع حاجيات السوق الجزائري، وتلائم مختلف فئات الزبائن، مع مراعاة الضوابط الشرعية، بدل الاكتفاء ببعض الصيغ التقليدية كالمرابحة فقط.
5. نشر الثقافة المالية الإسلامية بين المواطنين: من الضروري القيام بحملات توعوية وإعلامية حول مزايا الصيرفة الإسلامية، وتعريف الجمهور بأهدافها ومبادئها، مما يعزّز الثقة ويزيد من الإقبال عليها، خصوصًا في المناطق الداخلية.
6. إنشاء سوق مالية إسلامية متكاملة: توصي الدراسة بضرورة التفكير في تطوير منظومة مالية إسلامية شاملة، تضم إلى جانب البنوك، مؤسسات تمويل أصغر، سوق رأس مال إسلامي (مثل الصكوك)، وشركات تأمين تكافلي.
7. دعم البحث العلمي في مجال الصيرفة الإسلامية: تشجيع الدراسات الأكاديمية والمشاريع البحثية التي تُعنى بواقع وتطور الصيرفة الإسلامية في الجزائر، مع خلق شراكات بين الجامعات والبنوك لتبادل الخبرات.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن القانون 23-09 يُعد خطوة متقدمة نحو إرساء منظومة مصرفية إسلامية متكاملة في الجزائر، لكنه يبقى بحاجة إلى تدعيمه بإرادة سياسية وإصلاحات مؤسساتية تضمن فعاليته واستدامته. فالمستقبل الواعد للصيرفة الإسلامية لا يتوقف عند مجرد الاعتراف القانوني، بل يتطلب بناء بيئة مصرفية حديثة، قادرة على المنافسة والابتكار، ومواكبة تطلعات المتعاملين.