Abstract:
عبده «1266 هـ - 1323 هـ / 1849 م - 1905 م» واحداً من أبرز أعلام الفكر الإسلامي الحديث، وقائداً من قادة حركة الإصلاح والتجديد التي انطلقت في العالم العربي والإسلامي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. جاءت دعوته الإصلاحية في سياق تاريخي معقد، اتسم بتصاعد الهيمنة الاستعمارية الغربية على معظم بلدان العالم الإسلامي، وتدهور الأوضاع الداخلية في هذه البلدان على كافة الأصعدة: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية. وقد أدرك الإمام محمد عبده، بعمق بصيرة وسعة أفق، أن الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية هي أزمة شاملة، وأن مواجهتها تتطلب مشروعاً إصلاحياً متكاملاً يستهدف العقل المسلم، والمؤسسات الدينية والتعليمية، والبنى الاجتماعية والسياسية.
لقد شكل فكر محمد عبده الإصلاحي نقطة تحول حاسمة، إذ سعى إلى تحرير العقل المسلم من أغلال الجمود والتقليد الأعمى، وإعادة الاعتبار للاجتهاد والتفكير النقدي، والتأكيد على قدرة الإسلام على مواكبة تطورات العصر ومستجداته، شريطة فهمه فهماً صحيحاً مستنيراً، بعيداً عن الخرافات والبدع التي علقت به عبر العصور. كما أكد على ضرورة إصلاح نظم التعليم، وخاصة التعليم الديني في الأزهر الشريف، ليكون قادراً على تخريج علماء مستنيرين قادرين على حمل لواء الإصلاح والتجديد. ولم يغفل الإمام أهمية الإصلاح الاجتماعي والسياسي، فدعا إلى تربية الأمة على الفضائل، ومحاربة الفساد والاستبداد، والمطالبة بالحقوق والحريات، والسعي نحو الوحدة والنهضة.
يهدف هذا البحث إلى الغوص في أعماق فكر الإمام محمد عبده الإصلاحي، من خلال تتبع منطلقاته النظرية، وتحليل رؤيته لإصلاح التعليم والمؤسسات الدينية، واستعراض جهوده في مجال الإصلاح الديني والتجديد الفقهي، وبيان أفكاره حول الإصلاح الاجتماعي والسياسي. كما سيسعى الفصل إلى إبراز أهمية هذا الفكر وتأثيره في مسيرة الإصلاح والتنوير في العالم العربي والإسلامي. إن دراسة فكر الإمام محمد عبده ليست مجرد استعادة لتاريخ مضى، بل هي محاولة لاستلهام الدروس والعبر لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، فما أحوجنا اليوم إلى عقلانية محمد عبده، وشجاعته في نقد الذات، وسعيه الدؤوب نحو الإصلاح والتجديد.
فيختامهذهالدراسةحولالفكرالإصلاحيعندالشيخمحمدعبده،نودأننلخصأبرزالنتائجوالتوصياتالتيتوصلناإليها،والتيتؤكدعلىالأهميةالمحوريةلهذاالمفكرالكبيرفيتاريخالفكرالإسلاميالحديث.
لقدبرزمحمدعبدهفيعصركانأحوجمايكونإلىمنينيردروبالتجديدوالإصلاح. فيظلحالةالتخلفالتيضربتأطنابالعالمالإسلامي،وتعاظمالضغوطالاستعماريةالغربية،لميكنعبدهمجردمراقب،بلكانفاعلًاومبادرًا،يسعىإلىإخراجالأمةمنكبوتها. تميزمشروعهالإصلاحيبالشمولية،فهولميقتصرعلىجانبواحدمنجوانبالحياة،بلشملالدينوالعقل،والسياسةوالمجتمع،والتعليموالاقتصاد،والوحدةالإسلامية.
إنجوهرفكرعبدهيكمنفيدعوتهإلىتحريرالعقلمنقيودالتقليدوالجمود،وفتحبابالاجتهاد،والعودةإلىالأصولالنقيةللإسلام،معالتأكيدعلىأنلاتعارضبينصحيحالنقلوصريحالعقل. لقدسعىإلىإثباتأنالإسلامدينيتوافقمعمقتضياتالعقلوالعلم،وأنهقادرعلىالتكيفمعمتطلباتالعصرالحديثدونالتخليعنمبادئهالجوهرية. كانالتعليمبالنسبةلهحجرالزاويةفيأيعمليةإصلاححقيقية،حيثدعاإلىتطويرمناهجالأزهر،وربطالتعليمبالعلومالحديثة،ونشرالمعرفة. كماأنهلميغفلالجانبالسياسي،فدعاإلىمقاومةالاستبداد،وإرساءمبادئالعدلوالشورى،معالحفاظعلىوحدةالأمةالإسلاميةفيمواجهةالأطماعالأجنبية.
علىالرغممنالإنجازاتالعظيمةالتيحققها،لميكنمشروعمحمدعبدهبمعزلعنالتحدياتأوالانتقادات. فقدواجهمقاومةمنالتقليديين،وتحدياتفيتطبيقأفكارهعلىأرضالواقع،وربمابعضالتناقضاتفيمواقفهالسياسيةأحيانًا. إلاأنذلكلايقللمنقيمةإسهاماتهالجليلة،بليؤكدعلىتعقيداتعمليةالإصلاحفيعصرالتحولاتالكبرى.