Abstract:
تُشكّل هيئات الرقابة المالية العليا أحد الأعمدة المؤسسية للدول الحديثة، وتختلف نماذجها بين نظامين رئيسيين: النموذج الأنجلوسكسوني، الذي يربط الرقابة بالمجالس التشريعية ويعتمد أسلوب المراجعة الإدارية، والنموذج الفرنسي الذي يقوم على هيئة مستقلة ذات طابع قضائي. وقد ظهرت نماذج هجينة حديثًا، أبرزها النموذج الألماني ومحكمة المراجعين الأوروبية، التي تمثل مقاربة وسطى بين الرقابة الإدارية والقضائية.
وفي هذا السياق اختارت الجزائر بعد الاستقلال النموذج الفرنسي كمرجع تنظيمي لمجلس المحاسبة غير أنها لم تنقله بالكامل بل عملت على تكييفه مع بيئتها الخاصة، ورغم الطابع القضائي الظاهر للمجلس، إلا أن الاختلافات التنظيمية والتشريعية عن نظيره الفرنسي تعكس توجّهًا لبناء نموذج رقابي خاص، وقد تم ذلك عبر مراحل تشريعية متعاقبة بدأت بالقانون 80-05 الصادر تطبيقًا لدستور 1976، والذي أحدث قطيعة مع أساليب الرقابة الإدارية السابقة، وأسّس لمجلس ذي طابع قضائي واضح