Abstract:
في ضوء ما سبق من تحليل وتأمل فلسفي ، تبيين لنا أن إشكالية الأنا والآخر عند "جان بول سارتر" لیست مجرد قضية معرفية أو أنطولوجية، بل هي لبُّ الوجودالإنساني ذاته، ومحورعلاقاتهالمعقدةبالذاتوالأخر والعالم. لقدكشفنا عبرهذاالبحثكيفتتداخلمفاهيم"الأناوالآخر" ضمنبُنيةالوعي، حيثلايُعرفالأنا إلا من خلال الآخر، ولا يتحقق الوجود إلا في علاقته بالأخر ضمن جدلية الإعتراف والسيطرةوالتحرير.
وقد استعرضنا الجذور التاريخية لهذا الإشكال في الفلسفة الغربية منذ أفلاطون مرورا بديكارت وهيجل، وصولاً إلى سارتر الذي مثّل نقطة تحوّل حاسمة من خلال مشروعه الوجودي القائم على الحرية والإختيار والقلق، كما أشرنا إلى السياق العام للوجودية، نشأتها وتياراتها وروادها، ووقفنا على دور سارتر فيها بوصفه أبرز منظّريها وأكثرهم تأثيرا، ليس فقط على مستوى الفكر الفرنسي، بل على مستوى الفكر العالمي أيضًا.
وللوجودية إتجاهين مختلفين فالإتجاه الأول، وهو إتجاه الوجودية المؤمنة، الذي يمثله كل من "سورين كير كغارد"و "کارل ياسبيرس" و "جابريل مارسيل"، أما الإتجاه الثاني، إتجاه الوجودية الملحدة، فيمثله كل من "مارتن هيدغر" و "جان بول سارتر" هذا الأخير الذي يعتبر زعيم للوجوية.
لقد شرح "سارتر" فكرة الوجود وعرفه في كتابه "الوجود والعدم"، واعتبر الوجود سابق للماهية، وبين تقسيماته من وجود لذاته، (الوجود الانساني)، ووجود في ذاته (الأشياء)، وإعتبرأن العدم يوجد داخل الوجود، وهو الذي يأتي به العالم.
لقد كانت مؤلفات سارتر، وعلى رأسها "الوجود والعدم"، بمثابة محاولة فلسفية جريئة لتفكيك بُنيَة الوعى والأخر ية، وربطها بأبعاد إجتماعية وسياسية وأخلاقية، مما جعل فكره ممتد التأثير، والأدب، والتحليل النفسي، والنقد الإجتماعي، بل و حتى في الفكر العربيالمعاصر الذي تفاعل مع أفكاره بدرجات متفاوتة من القبول والنقد.
كما لم يغفل البحث عن تتبع التلقيالنقدي لفلسفة سارتر، بين من رأى فيها تحريرًا للفكر والإنسان من كل الحتميات، ومن إعتبرها نزعة فردانية متطرفة تنتهي إلى العبث والعدمية، ورغم هذه الإنتقادات، يبقى لسارتر فضل إعادة التفكير في علاقة الذات بالآخر ضمت أفق وجودي يربط الحرية بالمسؤولية، والوعيبالإنفتاحعلى الأخر .
وعليهفإنإشكالية"الأناوالآخر"كماصاغهاسارتر ما تزال تحتفظ براهنية فلسفية وأخلاقية في زمن تتعاظم فيه أسئلة الهوية، والتعدد، والإختلاف و تُعرضُ فيه تحديات جديدة على الذات الإنسانية في علاقتها بالأخر ، سواء في بعدها الفردي أو الجمعي. ومن هنا، يمكن القول أنّ فلسفة سارتر ليست مجرد مرحلة في تاريخ الفكر، بل دعوة دائمةلإعادة التفكير في من نكون، ومنه يكون "آخر"، وما الذي يجعل من العلاقة ببيتا مجالاً للحرية، لا للصراع فقط.