Abstract:
بعد أن تُنُوسِيَتْ الفلسفة الهيغلية و أُهمِلَت طيلة ثلثي قرن و نصف عادت منذ ما يقارب الأربعة عقود لتشهد تجدّدا جعل منها المذهب الأعمق تأثيرا في الفلسفة الحديثة أي أنّها تعادل ما كانت عليه فلسفة أرسطو في زمانها أين اعتبرت فلسفة هيغل أكبر تطويرًا للفلسفة المثالية ، حيث سيطرت على العالم الأوروبي ، فهيغل يرفض الصورة المثاليّة التي تعتبر أن الأشياء الحسيّة ليست سوى عالم ذاتي أي عالم الوجدان ولعلّ نقده للفلسفة الكانطية يعتبر عاملا في تطور الفلسفة المثالية والمصدر الرّئيسي لفلسفته .
لقد جعل هيغل العقل هو العمل الجوهري في مراحل سير الجدل ، فالجدل الهيغلي هو جدل يدعو إلى التّطور والنّمو ويهدف إلى تحقيق المطلق الذي هو في النهاية اتحاد الطّبيعة بالعقل في وحدة كليّة هي المطلق ولقد جعل هيغل من الدّولة أساسا للمعايير الأخلاقيّة ، فالدولة هي التي تحدّد الحقّ و تحدّد القوانين لكنّ هذا لا يعني أنّ القوانين التي تضعها الدّولة هي قوانين خارجة عن إرادة الفرد بل هي نفسها القوانين التي يريدها فهي تمثّل الحقيقة الواقعية والتي يجد فيها الفرد حريّته الخاصّة وبذلك تمثل وحدة الأخلاقية الذاتية و الموضوعية فاجتماع كلّ من الدّولة والمجتمع يمثلان شرطان أساسيان لتحقّق الحريّة إذ تحتل الأخلاق عنده مكانا محدودا أو جزئيّا لكونها شديدة الارتباط بالمفاهيم السّياسيّة فالأخلاق الحقيقية لديه هي الموضوعيّة التي يكتسبها الإنسان في المجتمعات فتحتّل البيئة والتّربية عنده دورا في توجيه الفرد وصياغة أخلاقيّاته .