Abstract:
تتناول هذه المذكرة موضوع التهيئة الريفية من خلال دراسة نظرية وميدانية لأشكال التدخل في بلدية الجلفة. وقد تم التطرق إلى المفاهيم الأساسية للتهيئة والتنمية الريفية، مع تصنيف أنماط التدخل المختلفة مثل التدخلات الزراعية والاجتماعية، وتلك المتعلقة بالبنية التحتية. كما تم تحليل الخصائص الطبيعية والديموغرافية والاقتصادية لبلدية الجلفة، بما في ذلك التضاريس والمناخ والسكان والخدمات. وتم التعمّق في دراسة التدخلات الميدانية في الزراعة، ومكافحة التصحر، والتجهيزات الأساسية.
أظهرت النتائج وجود فجوة بين السياسات الوطنية وواقع التنمية المحلية، تعكسها محدودية الفعالية الميدانية لبعض البرامج. كما بيّنت الدراسة التباين في توزيع المشاريع الريفية وضعف التنسيق بين الفاعلين المحليين.
وتوصي الدراسة بضرورة تبنّي مقاربة شاملة تشاركية تراعي خصوصية المجال السهبي، وتستند إلى التخطيط الاستراتيجي المحلي، من أجل تحقيق تنمية ريفية متوازنة ومستدامة.
Description:
أفضت هذه الدراسة إلى جملة من الاستنتاجات البنيوية التي تكشف عن واقع فلاحي هش ومعقّد في بلدية الجلفة، يعاني من اختلالات هيكلية متداخلة على مستوى سلسلة القيمة الزراعية. فعلى الرغم من التوسع النسبي في المساحات الزراعية وتوفر مورد رعوي غني وثروة حيوانية معتبرة، فإن المؤشرات الغذائية للفرد المحلي تبقى دون المعدلات الموصى بها عالميًا؛ إذ لا يتجاوز متوسط الاستهلاك السنوي للفرد 12 كلغ من اللحوم الحمراء، و17 لترًا من الحليب، وقرابة 24 بيضة فقط، وهي أرقام تعكس ضعف قدرة القطاع الفلاحي على تأمين الاحتياجات الغذائية الأساسية للسكان.
يتجلى هذا الضعف كذلك في تدني مردودية القطاعات الحيوية كإنتاج البيض والعسل والحليب، في مقابل بروز نسبي لإنتاج الصوف واللحوم الحمراء، ما يعكس هيمنة الطابع الرعوي الأحادي على حساب تنوع الأنشطة الزراعية واندماجها. كما أظهرت الدراسة اختلالًا في التوازن بين الموارد الطبيعية المتاحة والاستخدام الفعلي لها، خاصة في المجال المائي، حيث رغم توفر عدد كبير من الآبار، إلا أن معظمها غير موجه للري أو ذات تدفق ضعيف، وتبقى قدرات التخزين والتبريد في حدّها الأدنى وغير كافية لتأمين مرونة المنظومة الغذائية.
من جهة أخرى، تفتقر بلدية الجلفة إلى البنية السوقية الفعالة، حيث لا توجد سوى سوق جوارية واحدة، ما يحدّ من ديناميكية التبادل التجاري الداخلي ويكرّس عزلة الفلاح عن سلاسل التوزيع. هذا إلى جانب نقص العتاد الفلاحي، وضعف التكوين التقني، مما يزيد من هشاشة المنظومة الفلاحية ويقلص من فرص التنمية المحلية المستدامة.
أما من حيث البنية الطرقية، فإن بلدية الجلفة تتمتع بشبكة متكاملة من المحاور الوطنية والولائية والحضرية، يتقدمها الطريق الوطني رقم 1 الذي يعبر البلدية مركزًا، ويربط الشمال بالجنوب، والطريق الوطني رقم 46 نحو بوسعادة، إضافة إلى طرق ولائية (146 و189) وطرقات محلية باتجاه المناطق الفلاحية والرعوية. وتمتد شبكة الطرق الحضرية على طول 286 كلم، ما يمنح البلدية قابلية للربط الداخلي والخارجي، لكنه يبقى غير مستغل بالشكل الأمثل لخدمة التنمية الفلاحية.
وفيما يتعلق بالصناعات التحويلية، تضم المنطقة الصناعية بالجلفة وحدات اقتصادية محورية، منها مطاحن لإنتاج الفرينة والسميد (183 عاملًا)، ووحدة لصناعة الأعلاف (60 عاملًا)، ومدبغة الهضاب العليا لدباغة الجلود (108 عاملين). وتُشكل هذه المؤسسات نواة اقتصادية ذات علاقة مباشرة بالقطاع الفلاحي والرعوي، لكنها لا تزال محدودة من حيث التنويع، التكامل، وطاقة التشغيل، ولا ترقى إلى مستوى تثمين الإنتاج المحلي بشكل مستدام.
وعليه، يتّضح أن النشاط الفلاحي في بلدية الجلفة لا يزال يخضع لمنطق تقليدي غير مهيكل، يتطلب إعادة صياغة شاملة لمقاربته التنموية، ضمن استراتيجية تستوعب تعقيدات المجال المحلي، وتُفعّل إمكاناته الاقتصادية والاجتماعية الكامنة