الخلاصة:
من خلال دراستنا يتضح لنا أن لجرائم الصفقات العمومية ركنين، ركن مادي وركن معنوي، الركن المادي لا خلاف فيه إلا أن الركن المعنوي يثير بعض الإشكالات من حيث القصد كعنصر من عناصر الركن المعنوي للجريمة كونه من الأمور الباطنية التي يصعب كشفها وإثباتها غير أنه يقوم بمجرد مخالفة النص التشريعي الذي يحكم الصفقات العمومية
ففي مجال العقوبات المقررة لكل جريمة تخلى المشرع عن العقوبات الجبائية واستبدالها بعقوبات جنحية مغلظة، قد قرر عقوبتي الحبس والغرامة المالية كعقوبة أصلية غير أن المشرع شدد على هذه الأخيرة لتمس الجاني في ذمته المالية كما شدد العقوبات إذا كان القاضي أو الضابط العمومي أو ضابط الشرطة طرفا فيها، كما كرس المشرع الأعذار المعفية والمخففة لجرائم الصفقات العمومية ، أن لهذه الأخيرة حافزا لمرتكبي هذه الجرائم من أجل التراجع عن أفعالهم.
وهذا كله يعتبر ضمانة أساسية لمكافحة الفساد في مجال الصفقات العمومية وكما قرر المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي عن جرائم الصفقات العمومية وتنوع العقوبات المقررة بين الغرامة أو الحل الغلق.
نجد من خلال دراسة آليات مكافحة جرائم الصفقات العمومية أن المشرع نص على جملة من الآليات التشريعية والقانونية التي من شأنها القضاء على هذه الجرائم لا سيما عن طريق إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته تتولى اقتراح سياسة في هذا المجال وتجسيد مبادئ دولة القانون والتقييم الدوري للأدوات القانونية والإجراءات الإدارية الرامية إلى الوقاية من الفساد ومكافحته والنظر إلى مدى فعاليتها.
وضع المشرع القانوني آلية القمع والعقاب لجرائم الصفقات العمومية، بحيث احتفظ بالإجراءات المعمول بها في قانون الإدارات الجزائية بمعنى أنه لا يوجد قانون إجراءات خاص بجرائم الفساد لكن استحدث المشرع أساليب جديدة للتحري عن هذه الجرائم كالتسليم المراقب والترصد الالكتروني، فهذه الأساليب تسمح باختصار الوقت وتسهل عمل ضابط الشرطة القضائية في كشف وقمع جرائم الصفقات العمومية واستعمال هذه الأساليب قد يحتم التحسيس على خصوصيات الأفراد أحيانا من خلال إباحة التنصت وإعطاء الضبطية القضائية والنيابة العامة حق اعتراض المكالمات الهاتفية وحتى تسجيلها فيظهر هذا التناقض الواضح بين ممارسة هذه الإجراءات وحق الفرد في الخصوصية مما يطرح تساؤل عن مدى شرعية استعمال هذه الإجراءات خاصة ان حرية المراسلات تعد حقا مكرسا دستوريا.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة الجزائرية باستحداث آليات محلية تتولى مهمة مكافحة الفساد والجرائم المتعلقة بالصفقات العمومية إلا أنها تبقى دون المستوى المطلوب لافتقارها الصرامة في التطبيق والاستقلالية في المهام والوظائف.
لذلك يمكن القول بأن المشرع الجزائري قد خطأ خطوة إلى الأمام بإعادة تنظيم النصوص القانونية المتعلقة بجرائم الصفقات العمومية والوظيفة العامة، إضافة إلى مسايرته لمختلف التطورات في مجال قمع ومكافحة هذه الجرائم بسن آليات جديدة سواء للوقاية أو المكافحة على حد سواء.