Abstract:
في الأخير يمكننا القول إن بالرغم من التعديلات الّتي قامت بها الدستور الجزائري فيما يخص تنظيم السلطة التنفيذيّة والّتي كان أخرها سنة 2016بالجزائر،نجد أن دستور قد أكد على تقوية وتعزيز مكانة السلطة التنفيذيّة بالنسبة للسلطات الأخرى،إلاّ أن ذالك كان لصالح رئيس الجمهوريّة دون الوزير الأوّل،ففي الجزائر كان أملنا في أن يكون إحداث تسمية الوزير الأوّل هو ابتعاد لرئيس الحكومة عن الوزير.
وعليه فإن البحث في العلاقة بين رئيس الجمهوريّة والوزير الأوّل، المعتمدة في الدستور الجزائري سنة 1996 المعدل والمتمم سنة 2016، ينتهي بينا حتمنا إلى أن العلاقة العضوية والوظيفية بين هذين الجهازين داخل الجهاز التنفيذي تتحدد من خلال بعدين،أحدهما دستوري نظري يعتمد بالأساس على قراءة مواد من الدستور المتعلقة بضبط العلاقة بين طرقي السلطة التنفيذيّة، وبعد أخر واقعي ومتغير، يتعلق بطبيعة الأغلبية البرلمانية ومدى قدرتها على إعادة توزيع السلطة بين رئيس الجمـهوريّة والحـكومة، وعلى ذألك يمكن أن نصل ألى عدة نتائج:
أولا:يظهر الفصل العضوي بين رئيس الجمهوريّة والوزير الأوّل في بعده الدستوري، أي من خلال نصوص الدستور ثابتا وضيقا،ذألك أن السلطة مطلقة لرئيس الجمهوريّة –المنتخب من طرف الشعب والمجسد لوحدة الأمة – في تعيين الوزير الأوّل ومن ثم الحكومة ككل وإنهاء مهامها، هذا الوضع يفقد الوزير الأوّل استقلالية عضوية اتجاه رئيس الحكومة.
أما البعد الواقعي, الّذي يتمثل أساسا في طبيعة الأغلبية البرلمانية, فإن مدى الفصل العضوي بين رئيس الجمهوريّة والوزير الأوّل يتدرج بحس موقف كل منهما من الأغلبية البرلمان, فإذا كانـــــــــت الأغلبيّة البرلمانيّة مطابقة للأغلبية الرئاسية, فإن وجود الوزير الأوّل والحكومة كسلطة مواجهة لرئيس الجمهوريّة سيزول تماما وتتحول الحكومة بذلك إلى جهاز إداري لدى رئيس الجمهوريّة تتلقى التعليمات منه, في حين أنه إذا كانت الأغلبيّة البرلمانيّة معارضة للأغلبيّة الرئاسيّة وهي الحالة الّتي توصف بالتعايش, فإن الوزير الأوّل وحكومته سيستفيدان من نوع من الاستقلالية العضوي خصوصا عند تشكيلها, حيث أن رئيس الجمهوريّة سيجد نفسه مضطرا لتعيين زعيم الأغلبيّة البرلمانيّة أو من ترضى عنه هذه الأخيرة وزيرا أولا.
ثانيا:إن اعتماد المؤسس الدستوري الجزائري لفكرة العهدة المفتوحة من خلال التعديل الدستوري الّذي جرى في 2008، والتعديل الأخير الذي جاء في 2016يهدف التعديل المقترح في هذا الإطار إلى غلق العهدات وجعلها عهدة واحة قابلت للتجديد مرة واحدة، إلى دسترة التداول الديمقراطي على الحكم، من خلال إقراره في ديباجة الدستور،يكون بذلك قد عزز التفوق الرئاسي بمنحه امتيازا حصريا لا مثيل له في ظل نظام يعتمد مبدأ التداول على السلطة كأحد مقوماته الاساسية.
كما تعتبر آلية الإستفاء الشعبي عاملا مدعما للمركز العضوي لرئيس الجمهوريّة الّذي يعتبر اتصالا آخر للرئيس مع الشعب خلال فترة العهدة الرئاسية، فما يمكن قوله عنه أنه وحسب نظرنا عامل يظهر المركز المعنوي للرئيس بصفته الشخصية، فهو من خلاله يضلع ويؤكد على مدى شعبيته عندما يوظفه على أنه أداة متعلقة بمسائل ذات أهمية من حيث الظاهر فحسب.
ثالثا:كما أن رئيس الجمهوريّة في الجزائر يهيمن على السياسية الخارجية للدولة وعلى سياسية الدفاع الوطني، ويضع الإطار العام لهما وما على الوزير الأوّل إلا البقاء في هذا الإطار. كما للرئيس الجزائري وفي ظل الظروف الغير العادية (حالة الطوارئ والحصار والحالة الاستثنائية وحالة الحرب)حق ممارسة الدكتاتورية المؤقتة وذلك في ظل غياب شبه كلي للوزير الأول.
رابعا: إن الوزير الأوّل ليس هو صاحب الاختصاص الوحيد في ممارسة السلطة التنظيميّة, بل إن سلطة التنظيم في الجزائر جعلها الدستور متقاسمة بين الوزير الأوّل ورئيس الجمهوريّة, وهذا الأخير يستحوذ على الجزء الفاعل من سلطة التنظيم, وهو اصدار اللوائح التنظيميّة المستقلة التي تأتي مستقلة عن التشريعات الّتي يصدرها البرلمان وبواسطتها يمكن لرئيس الجمهوريّة ان يحد من سلطة الوزير الأوّل خاصة في مرحلة التعايش, إذ قد تأتي هذه اللوائح متناقضة مع المخطط والسياسية التي تنتهجهما الحكومة, وهذا يؤدي إلى إعاقة الوزير الأول في تنفيذ مخطط حكومته المسؤول عليه امام البرلمان, اذ بواسطة اللوائح المستقلة.
خامسا:إن أحد أهم أسس القانون الدستوري، أن ممارسة السلطة يجب ان تؤدي الى قيام مسؤوليات متقابلة وهذا ما عبر الفقه الدستوري بمبأ {اين توجد السلطة توجد المسؤولية}. وعليه فإن دستوري الجزائرتوجد فيه المسؤولية بشكل أكيد و واضح, إنما هي منظمة بطريقة لا تتوافق وتوزيع السلطة بين قطبي الجهاز التنفيذي, حيث أن الوزير الأول بالرغم مكن أنه الأقل حظا في ممارسة السلطة فهو الواجهة في العلاقات مع البرلمان, وهو مسؤول أمام مجلس الشعب وأمام رئيس الجمهوريّة, هذا الأخير الّذي مكنه الدستور من إجماع كل السلطات في يده فهو في مأمن من رقابة البرلمان, حيث أن الدستور لم يقرر لرئيس الجمهوريّة المسؤوليّة السياسيّة أمام البرلمان, إلاّ أن الدستور قرر له المسؤوليّة الجنائيّة أمام المحكمة العليا للدولة عند ارتكابه لجريمة الخيانة العظمى ولكنها تبقى مسؤوليّة غامضة لحد الآن.
وعليه يمكن أن نعتبر أن النظام السياسي في الجزائر ليس بنظام رئاسي ولا بنظام برلماني وإنما يمكن اعتباره نظام مختلط يجمع تقريبا بين النظامين السابقين.
ومن ثم فإننا نضع بعض الاقتراحات الّتي نرى بأنها قد تعمل على إعادة نوع من التوازن والتكامل، ولهذا نقترح ما يلي:
أولا:إعطاء الوزير الأوّل حق التوقيع المجاور على كل القرارات الّتي يتم التداول بشأنها بمجلس الوزراءوبهذا يتم نقل اختصاص الوزير الأوّل على مستوى المجلس من كونه اختصاص تقني إلى كونه صاحب قرار، ويعطى للوزير الأوّل المكانة التي يستحقها رئيس ثّاني للسلطة التنفيذيّة، ويتم تحقيق مبدأ "أين توجد السلطة توجد المسؤوليّة" ويكون رئيس الجمهوريّة بمنأى عن هذه المسؤوليّة.
ثانيا:نقترح بأن يمنح للوزير الأوّل في الجزائر مكانة في حال وجود مانع يحول دون قيام رئيس الجمهوريّة بمهامه الدستوريّة.
ثالثا:إن التنظيم المستقل تعتبر سلطة جد هامة، باعتبارها مستقلة عن التشريعات البرلمان،ونظرا لمدى تأثيرها على العمل الحكومي للوزير الأوّل وطاقمه،لهذا لابد من نصدستوري على وجوب التداول بشأنها على مستوى مجلس الوزراء، وبتوقيع كل من رئيس الجمهوريّة والوزير الأوّل عليها.
رابعا:من أجل تحقيق الاستقلالية للوزير الأوّل، وجعله رئيسا حقيقيا للحكومة ويكون مسؤولا عن ممارسة سلطاته أمام البرلمان فقط، نقترح أن ينص الدستور على أن إنهاء مهام الوزير تكون مشروطة بإرادته فقط.
خامسا:بما أن أعضاء الحكومة يشاركون الوزير الأوّل في تنفيذ مخططه وبرنامج الحكومة،ومسؤولون مسؤولية تضامنية أمام البرلمان،ومن أجل تقوية علاقة الوزير الأوّل بطاقمه وإعطائه النجاعةوالفعالية، لابد من اشتراك الوزير الاول لرئيس الجمهورية في التوقيع المجاور على مراسيم تعيين وإنهاء مهام أعضاء الطاقم الحكومي، حتى يكونون مرتبطين بالوزير الأول ويجدون علاقة تبعية مباشرة معه والبقاء ف