الخلاصة:
من خلال فصول دراستنا تبين لنا أن الإنسان في سعيه الدائم نحو التقدم و الرقي و إذا كان أصاب كثيرا من النجاح في ميادين شتى ،فإنه أسهم بقصد أو بدون قصد في كثير من الأحيان في إلحاق أبلغ الأضرار بالبيئة التي يعيش فيها وهو الأمر الذي أدى بالتالي إلى التأثير المباشر على الإنسان في شخصه ،سواء الناحية الصحية أو النفسية.
وقد تفطن المجتمع الدولي مؤخرا إلى أن مصيره في البقاء مرتبط بمصير كوكب الأرض التي يعيش عليها ، و لذلك تعالت الصيحات و تعددت المؤتمرات الدولية و الإقليمية من أجل تنبيه الإنسان من غفلته و دفعه إلى الحفاظ على بيئته و إنقاذ نفسه و حضارته قبل أن تنهار.
و هذا الوضع المخيف دفع بالإنسان إلى التفكير في كيفيات استمراره ككائن حي كذلك المحافظة على الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه و لذلك بدأ يبحث عن السبل و الوسائل إلى تخفيف هذه المعادلة الطبيعية .
و هذا ما ناد به أزيد من 2200 عالم من مشاهير العلماء في رسالتهم الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتبني موقفهم و تطلعاتهم والتي سجلت رسميا في سجلات الأمم المتحدة و من بين ما جاء فيها " لم تجابه البشرية خطرا حتى الآن بهذه الضخامة و هذا الانتشار ناتج من عدة عوامل كل منها أصبح كافيا لوجود معضلات مستعصية الحل وتعني مجتمعة أن آلام الإنسانية سوف نزداد إلى حد مخيف في المستقبل القريب ، و إن كل حياة سوف تنطفئ
أو هي مهددة بخطر التلاشي.
نحن علماء الحياة و الطبيعة لا نشك بفعالية الحلول الخاصة بهذه المسائل و لكننا نلح في القول بوجود هذه المعضلات على الأرض، و بأنها متشابكة و من الممكن حلها ،ونحن نصبو إلى تأمين حاجات الإنسانية إذا وضعنا جانبا مصالحنا الفردية الحقيرة.
إن الوسط الذي نعيش فيه يتقهقر بنمط لم يسبق له مثيل ،و هذه الظاهرة أكثر وضوحا في بعض أجزاء العالم منه في البعض الآخر وقد دق ناقوس الخطر في بعض المناطق بينما يبدو تقهقر البيئة بعيدا في مناطق أخرى ولا يسترعي اهتمام أحد في الوقت الحاضر ،ولكن الواقع لا يتجزأ وما يؤثر على البعض يؤثر على الكل ،و المثل الأكبر على ذلك هو اكتساح المواد السامة كالزئبق و الرصاص و الكاديوم و ال D.D.Tو غيره من المركبات الكلورية للدورة الغذائية وقد جاءت هذه المواد في أنسجة العصافير و الحيوانات التي بقيت بعيدا عن الأمكنة التي استعملت فيها هذه السموم.
لقد لوثت بقايا النفط و فضلات المصانع و الإنسان كل المياه العذبة تقريبا ومياه الشواطئ البحرية في كل الكرة الأرضية ،أما في ما يخص المياه المستعملة و البقايا العضوية فإن كمياتها أصبحت الآن كبيرة جدا إلى الحد الذي أصبح فيه تجددها الطبيعي غير كاف لاستعمالها من جديد ، وغيوم الدخان الصناعية التي ترمي بثقلها فوق المدن و المواد الملوثة التي تنقل بواسطة الهواء تتلف الأشجار على بعد مئات الكيلومترات من مصدرها .
و أشد خطورة في ذلك اعتماد وسائل النقل التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وازدياد عدد المحيطات الذرية التي ينتج عنها خطر كبير على البيئة في المدى الطويل.
إن الأرض التي نعيش عليها محدودة و ثرواتها في طريق النفاذ، بيد أن المجتمع الصناعي يبدد هذه الموارد التي لا تتجدد ويستثمر عشوائيا الموارد التي يمكن أن تتجدد في بعض البلدان دون أن يهتم لحاجات الشعوب فيها وما تتطلبه الأجيال في المستقبل، و تفتقر الأرض الآن لبعض المواد التي لها أهمية كبيرة بالنسبة لمجتمع تقني الذي ينصب اهتمامه الآن على استخراج المعادن الأولية من أعماق المحيطات .
لكن تنفيذ هذه المشاريع تتطلب أموالا وطاقة كبيرة و دراسات مسبقة لمعرفة مدى تأثيرها على حياة النباتات و الحيوانات البحرية التي تشكل قسما من الثروات الطبيعية و مواد غذائية غنية بالبروتين .إن قطع الغابات و إقامة السدود و زراعة النوع الواحد و استعمال المبيدات دون رقابة و استثمار الثروات الطبيعية إلى أقصى الحدود قد ساهم في خلق عدم التوازن في البيئة ،وقد ظهرت نتائجه المفجعة في بعض المناطق ،وسيساهم هذا في المدى البعيد على الحد من الإنتاج في مناطق أخرى من العالم .إن الأرض و سكانها على مفترق خطر و سوف تزداد مشاكلنا إذا توانينا عن حلها.
ومن المؤكد أن الأبحاث العديدة في إستمرار حياة الإنسان تتجاوز في أهميتها إلى حد أبحاث الذرة و الفضاء ،ويجب تعهدها دون إبطاء وعلى نفس المستوى و بوعي أدق نظرا لميزتها الملحة وعلى الدولة الصناعية أن تقوم بمثل هذه الأبحاث نظرا لإمكانياتها المادية و لأنها تعتبر المسؤولة الأولى عن انتشار التلوث.