الخلاصة:
إن إقليم دارفور يتميز بتركيبة قبلية متنوعة فيتكون من قبائل عربية وقبائل زنجية وهذه الأخيرة
هي القبائل الأصلية صاحبة الأرض ونظرا للتداخل لم يعد يوجد عربي صرف ولا زنجي صرف
، وقد عرف هذا الإقليم صراعات ونزاعات قبلية تعود إلى سنة 1956 والسبب الأساسي لهذه
الصراعات هو الموارد الطبيعية الشحيحة لندرة المياه والتصحر والجفاف مما أثار النزاع بين
القبائل التي تحترف مهمة الرعي وقبائل المزارعين .
فضلا على أن دارفور منطقة غنية بالثروات الطبيعية والمواد الخام كالبترول حيث يقدر
احتياطي النفط فيها 7 مليارات برميل ، كما أنها تحتوي على أكبر وأنقى ثلاثة حقول اليورانيوم
في العالم و واحد من أكبر أربعة حقول لنحاس في العالم ، فضلا عن المعادن النفيسة الأخرى
،مما جعلها محل أطماع الدول العظمى في العالم خاصة الصين والولايات المتحدة الأمريكية التي
تتحدى النفوذ الأوربي في قارة إفريقيا خاصة النفوذ الفرنسي وبما أن أمريكا ترغب في الاستيلاء على
ثروات السودان بصفة عامة ودارفور بصفة خاصة لذلك حرصت على بقاء مشكلة دارفور قائمة
كما كان لإسرائيل دور مهم في تعقيد الأزمة فاللوبي اليهودي في الإدارة الأمريكية قام بتصعيد
مشكلة دارفور عالميا ،وذلك عن طريق وسائل الإعلام .
إن تدخل إسرائيل زاد من تعقيد الأمور في دارفور عملت على تزويد المتمردين بالسلاح
وتدريبهم كما كان لإسرائيل أطماع في ثروات السودان فقد تم دفع مجلس الأمن لاتخاذ مجموعة
من القرارات ضد السودان لتفرض عليه عدة عقوبات وذلك لإرغامه على تحقيق
غايات الولايات المتحدة الأمريكية ومن أخطر القرارات التي اتخذها مجلس الأمن هو القرار
1593 (2005) الذي أحال الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية وكذلك القرار رقم
1706 الذي أدى إلى تدويل النزاع في دارفور .
وتم بموجبه إرسال قوات دولية تابعة للأمم المتحدة وخولت لها بموجب هذا القرار صلاحيات
واسعة في إقليم دارفور لدرجة أنها تصل إلى درجة سلطة الانتداب ، وهذه البعثة أرسلت لتحل
محل بعثة الإتحاد الإفريقي الذي لم يستطع القيام بأي دور لوضع حد لما يجرى في إقليم دارفور
وخاصة وأنه يعتمد اعتمادا تاما على معونات الدول الغربية التي كانت تتأخر في إرسال المبالغ
المالية التي يحتاجها الاتحاد الإفريقي للقيام بمهامه رغم أن تكلفة البعثة الدولية أكبر بكثير مما
يحتاجه الإتحاد الإفريقي ويلاحظ أن ذلك الموقف معتمد لإزاحة هذه البعثة واستبدالها بالقوات
الدولية التي طالما رفضت وجودها وتدخلها الحكومة السودانية .
فضلا عن تواجد العديد من المنظمات غير الحكومية الأجنبية في إقليم دارفور بحجة أنها تقدم
معونات الإنسانية للاجئين في دارفور إلا أن هناك مصادر أثبتت أن بعضها يقوم بدعم المتمردين
ومن هذه المنظمات من يقوم باختطاف الأطفال السودانيين منها عملية الاختطاف لمجموعة أطفال
بلغ عددهم 103 طفلا سودانيا وتشاديا من طرف منظمة لارش دو زوي الفرنسية إلا أن هذه
المحاولة تم إحباطها حيث وصف البعض بأن هذه العملية هي نوع جديد من تجارة الرقيق فكان
يمكن تحصل المنطقة على 300 دولار مقابل كل طفل .
أما القرار رقم 1593 (2005) كان من نتائجه صدور مذكرة التوقيف من طرف مكتب المدعي
العام ضد عمر البشير في 14 جويلية 2008 التي أثارت ضجة كبيرة وجدل في الساحة الدولية
وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض والغريب في الأمر أن الولايات المتحدة كانت مؤيدة لصدور
هذه المذكرة رغم عدائها الدائم للمحكمة الجنائية من خلال سحبها لتوقيعها على النظام الأساسي
وأبرمت العديد من ا اتفاقيات التحصين الثنائية مع الدول لكي تضمن عدم مثول رعاياها .
أمام المحكمة وحمايتهم من العقاب هذا من جهة ومن جهة أخرى يلاحظ من خلال التقارير
الصادرة عن مكتب المدعي العام وكذا أمري القبض الصادرين ضد علي كوشيب و أحمد
هارون .
وأمر بالقبض ضد عمر البشير توجيه التهم إليهم المتمثلة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم
الحرب
أما جريمة الإبادة الجماعية التي نفت اللجنة الدولية لتقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة لارتكابها
لذلك حذفت من قائمة الاتهامات الموجهة للأشخاص الثلاثة السابق ذكرهم ، إن المدعي العام
وجه العديد من الإتهامات لهم ، وأغفل توجيه الاتهامات لقادة الحركات المتمردة الذين ارتكبوا
جرائم وانتهاكات ويفترض أيضا تحميلهم المسؤولية الجنائية الدولية .
أما الولايات المتحدة فقد لعبت دورا مهما في تأزم الوضع في دارفور ، فضلا عن سياستها تجاه
المحكمة الجنائية فقد تم تشريع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية بطريقة تحمي الجنود الأمريكان
أو الإسرائيليون من العقاب أو المساءلة ويظهر ذلك من خلال المادة 16 من نظام المحكمة التي
تخول لمجلس الأمن صلاحية إرجاء التحقيقات وتأجيل المدة 12 سنة قابلة للتجديد ، فهذه
الصلاحية تمنح مجلس الأمن سلطة تجميد عمل المحكمة إلى أجل غير مسمى وبالتالي تسمح بأن
يلفت من العقاب المجرمون المرتكبون فعلا لجرائم دولية .
كما أن المادة 13 /ب من النظام الأساسي تمنح لمجلس الأمن حق إحالة أي حالة يرى بأنها
مهددة للسلم والأمن الدوليين وبالتالي يمكنه أن يفرض على أي دولة أن يلحق برعاياها العقاب
وحتى ولو لم تكن طرفا في نظام روما الأساسي .
وبما أن مجلس الأمن جهاز سياسي في الأمم المتحدة يخضع لأهواء ومتطلبات ومصالح الدول
الأعضاء الدائمين فيه ومن أهمها الولايات المتحدة الأمريكية ووفقا للصلاحيات المخولة له
بموجب ميثاق الأمم المتحدة أولا ونظام روما الأساسي ثانيا ، سوف يجعل من المحكمة الجنائية الدولية
مجرد آلية لتحقيق سياسات ومصالح الدول الكبرى وبالتالي تغليب الاعتبارات السياسية على
الاعتبارات القانونية والعدالة الجنائية وهذه الأخيرة هي الهدف الجوهري الذي نشأت من أجله
المحكمة الجنائية الدولية .
وذلك ينطبق على الوضع في السودان فلماذا وقع اختيار مجلس الأمن ولويس مورينو
المدعي العام على الوضع في دارفور وتم إغفال ماحدث في العراق من جرائم دولية من طرف
الجنود الأمريكان خاصة في سجن أبو غريب أو ما يحدث في غزة من طرف المجرمين
الإسرائيليين ، أو ما حدث في سجن غوانتنمو من انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني
.
فرغم ما تلقاه لويس مورينو من تقارير من طرف لجنة تقصي الحقائق السودانية وما قام به القضاء
القضاء السوداني ضرب به عرض الحائط وانتهك بذلك مبدأ التكاملية في المادة 17 من نظام روما
الأساسي كما لم يعر أي اهتمام للتقارير التي وصلته عما حدث في سجن العراق من جرائم
وانتهاكات الو م أ ، لأنها هي وإسرائيل دول فوق القانون .
وبما أن السودان من بين الدول العربية الإسلامية المستضعفة تم اختيارها لمباشرة التحقيق بشأنها
وإصدار أوامر القبض ضد رعاياها .
وهذا يؤكد العدالة الانتقائية التي تميز بها النظام الدولي المعاصر .