dc.description.abstract |
إنّ حماية البيئة من أهم الضروريات التي لا يمكن أن يتجاهلها الإنسان، فعلاقة الإنسان ببيئته قديمة قدم وجوده على سطح الأرض، ولئن كانت هذه العلاقة متناسقة طيلة الأزمنة الأولى من تواجد الإنسان، حيث لم يكن الإنسان مؤثرا في محيطه بالقدر الذي يضر بالتوازن الطبيعي، إلا أنّ التطور العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه الإنسان، والذي سخره في استغلال الموارد الطبيعية جعل من هذا التوازن الحلقة الأضعف والتي تنذر بزوال الإنسان ذاته، فالحروب المدمرة والمصانع الكبيرة ومختلف النشاطات الإنسانية في أنحاء المعمورة زادت من اختلال التوازن الطبيعي، فدق العلماء والمختصون ناقوس الخطر ونادوا بضرورة حماية البيئة من هذه الأخطار وخاصة خلال نهاية القرن الماضي.
بدأت الجهود الدولية لحماية البيئة تظهر بصورة واضحة من خلال المؤتمرات الدولية، فلقد أشار الإعلان الصادر عن مؤتمر " ستوكهولم " المنعقد في الفترة الممتدة من 05 إلى 16 جوان سنة 1972 وبحضور (113) دولة، إلى أنّ: « ... الإنسان هو ثمرة البيئة وهو مبدعها في نفس الوقت وبفضل التطور السريع والحاسم في العِلم والتكنولوجيا، فقد أصبع الإنسان قادرا على تغيير بيئته بوسائل متعددة لم يسبق لها مثيل ... »، وأعقب هذا، إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية المتنوعة والخاصة بحماية عناصر البيئة، والتي زامنها رسوخُ بعض القواعد العرفية والمبادئ العامة التي أصبحت تشكل جزءا من النظام العام الدولي، كما تأثرت باقي التشريعات الوطنية بهذا التوجه ووضعت قوانينها الخاصة بحماية البيئة، ضمن التوجه الدولي العام.
إنّ مجموع القواعد القانونية الناشئة عن العرف الدولي والاتفاقيات الدولية، والمبادئ العامة للقانون الدولي العام، شكّلت فرعا جديدا يعرف بالقانون الدولي لحماية البيئة، والذي أصبحت قواعده المستقرة تخاطب المجتمع الدولي، الذي عليه الالتزام بأحكامها، حفاظا على البيئة الإنسانية.
إلاّ أنّ هذا يطرح إشكالا, لأنّه لا يكفي وضع مجموعة من القواعد القانونية الدولية والوطنية لحماية البيئة، ما لم تكن هذه القواعد مكفولة بالحماية من خلال الجزاءات المقررة لمخالفتها وخاصة على المستوى الدولي، فإذا كانت الدول قد اتجهت لوضع قواعد جديدة للمسؤولية الدولية على اعتبار أنّ المسؤولية جزاء أساسي في كل نظام قانوني. فما مدى نجاعة ونضوج هذه القواعد في معالجة الإخلال بقواعد حماية البيئة على المستوى الدولي، في ظل الآثار الكارثية للنشاطات البشرية، وفي ظل عدم كفاية التشريعات الوطنية في التصدي للعديد من هذه النشاطات، والتي تتجاوز الاختصاصات الإقليمية للدول؟ وهناك فرضيتان لذلك:
الفرضية الأولى: العمل غير المشروع دوليا هو الأساس الوحيد لقيام المسؤولية الدولية عن الإخلال بقواعد حماية البيئة.
الفرضية الثانية: تتسم قواعد حماية البيئة بطابع القانون الخاص وتعتمد أساسا على نظرية المخاطر.
للإجابة على هذه الاشكالية, والتحقق من مدى صحة الفرضيتين الموضوعتين لذلك, فضل الطالب تقسيم موضوعه إلى ثلاثة فصول، حيث تطرق في الفصل الأول، ومن خلال دراسة مفاهيمية، إلى تعريف مصطلحين أساسيين هما: البيئة والتلوث، وهذا بالنظر لما يمثله تحديد المصطلح من أهمية بالغة في التعامل مع الموضوع.
ثم تعرض الطالب لمختلف تعاريف البيئة، من خلال استعراض مجموعة من النصوص القانونية الوطنية والدولية وبعض المقاربات الفقهية، فوصل إلى نتيجة مفادها أنّ البيئة هي: مجموعة من العناصر الطبيعية والتي لا دخل للإنسان في إيجادها ( الماء، الهواء، التربة، النباتات، والحيوانات وغيرها ) وعناصر مستحدثة، أي من فعل الإنسان، والتي وضعها لينظم حياته ويبرز وجوده على الأرض ورغم أهمية هذا التعريف التعدادي للبيئة إلا أنّه أغفل خاصية التفاعل بين هذه العناصر التي تؤثر وتتأثر ببعضها البعض في الحالات الطبيعية.
قد يختل توازن عناصر البيئة، بفعل عمل الإنسان ونشاطاته، والتي أصبحت أكثر خطورة وهذا ما نعرَّفه بالتلوث، والذي ينال من النظام البيئي، الطبيعي والوضعي، ويرتب بدوره المسؤولية الدولية. تطرق الطالب من خلال المبحث الثاني من الفصل الأول إلى تحديد مفهوم التلوث البيئي من خلال مختلف الاتفاقيات الدولية، والتي وإن كانت تخص نوعا معينا من البيئة، إلاّ أنّها تشترك كلها في كون التلوث هو: التغير الذي يحدث بفعل التأثير المباشر أو غير المباشر للنشاطات الإنسانية فيخلُ بالنشاطات الطبيعية التي يمكن القيام بها في وسط ما، ولقد أخذت مختلف التشريعات الوطنية نفس التوجه الذي سارت عليه الاتفاقيات الدولية في تعريف التلوث، مع اختلاف في بعض التفاصيل على اعتبار أنّ التشريعات الوطنية لم تصدر في أغلبها إلاّ لتنفيذ التزام دولي ناشئ عن اتفاقيات دولية لحماية البيئة.
ما يلاحظ أن جلّ التعريفات ركّزت فقط على ما يدخله الإنسان من مواد ضّارة في البيئة أو ما يقوم به من نشاط ضّار، لكنّ هناك مواد وأنشطة غير ضّارة بذاتها، ولكنّها عند التفاعل مع غيرها تصبح ضّارة وتؤدي إلى إحداث أضرار بالغة بالبيئة.
بعد أن تعّرض الطالب بإيجاز لأهم خصائص التلوث، وتنوعه بين المحلي وعبر الحدود وعبر الوطني وتبيّن أنّه لا يقتصر على عنصر بيئي واحد، أو منطقة بعينها. حاول الطالب التطرق للحماية المقررة لذلك، على الصعيدين الدولي والوطني (الجزائر أنموذجا)، فسجل وجود كم معتبر من الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية ذات الصلة، وخاصة في المنتصف الثاني من القرن العشرين، والتي لم تقتصر على زمن السلم بل شملت أيضا زمن النزاعات المسلحة، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى ما شهدته الساحة الدولية من منازعات مسلحة أثرت بصورة كارثية على البيئة، إلى جانب ذلك كان للفواعل الدولية، من منظمات دولية حكومية وغير حكومية، دور أساسي في مجال حماية البيئة كما تمّ إرساء مبادئ هامة من خلال العديد من المؤتمرات الدولية، منها مؤتمر "ستوكهولم 1972"ومؤتمر قمة الأرض "ريو 1992"، والتي كانت تهدف إلى تنبيه الشعوب والحكومات إلى أنّ الأنشطة الإنسانية تهدد البيئة وتخلق مخاطر تمس الرفاهية الإنسانية، وحتى الحياة البشرية نفسها ولم يقتصر هذا الاهتمام على الجانب الدولي، بل ظهر في مختلف التشريعات الوطنية، وكان التشريع الجزائري مسايرا لهذا التوجه، من خلال قانون: 83 -03 المؤرخ في: 05/02/1983 والمتعلق بحماية البيئة، قد ركّز على ثلاث مجالات، واعتبرها ميدانا لتطبيقه وهي:
• حماية الطبيعة ( الباب الثاني )
• حماية أوساط الاستقبال ( الباب الثالث )
• الحماية من المضار ( الباب الرابع )
و تأكّدت حماية الجزائر للبيئة في سنة 2003 من خلال القانون: 03 - 10، والمتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، وهذا إلى جانب قوانين أخرى تتعلق بالموضوع، إضافة إلى الأجهزة والمؤسسات التي أصبحت تساهم بطريقة أكثر وضوحا، ولو بنجاعة أقل.
إنّ اعتبار البيئة الإنسانية تشكل كُلاًّ واحدًا متكاملا في نسق طبيعي، واعتبار أقاليم الدول أجزاء مقتطعة من هذا الكل، وبالنظر لهذا الكم المعتبر من الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية المختلفة، فإنّ لكل هذه الأسباب الأثر المباشر في ظهور مجموعة من القواعد الدولية التي تؤسس لقانون قائم بذاته، وهو ما تناوله الطالب في الفصل الثاني، فتبيّن أنّه فرع من فروع القانون الدولي فهو يخاطب نفس الأشخاص الدولية ويتميز بتعدد مصادره، ويشارك القانون الدولي العام في العديد من المبادئ، كمبدأ عدم استخدام القوة، ومبدأ الحل السلمي للمنازعات الدولية، ومبدأ المسؤولية الجنائية الدولية، ورغم هذا فإنّ القانون الدولي لحماية البيئة يتميز بجانب فني، ومبادئ خاصة به مثل: مبدأ الملوث الدافع، ومبدأ التنمية المستدامة، ومبدأ الحماية المزدوجة للبيئة.
حاول الطالب في الفصل الثالث، أن يحدد أساس المسؤولية الدولية عن تلويث البيئة، ولهذا فقد تعرض بادئ ذي بدء، لتعريف المسؤولية الدولية عن تلوث البيئة، فلاحظ أنّ أغلب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة تضمنت قواعد متفرقة لحظر النشاطات الضّارة بالبيئة، إلاّ أنّها تكاد تخلو من أية قواعد تتعلق بالمسؤولية الدولية، والذي يؤدي إلى الإحالة على القواعد العامة في القانون الدولي رغم وجود بعض الاتفاقيات الدولية التي تضمنت قواعد صريحة، ولكنّها خاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية كتشغيل السفن النووية ونقل المواد النووية.
كما لاحظ الطالب أنّ الاتفاقيات الدولية الخاصّة بحماية البيئة، في مجملها، قد أحالت أيضًا إلى إعمال قواعد التشريعات الداخلية، لاسيما في مجال حماية البيئة البحرية، حيث تتكرر الإحالة في موضوع المسؤولية إلى دولة علم السفينة.
حاول الطالب أن يحدد أساس المسؤولية الدولية عن تلوث البيئة، فكان لزاما عليه أن يستعرض التطور الذي لحق بفكرة المسؤولية الدولية، من خلال مختلف التعاريف والمدارس الفقهية وخلال استعراضه لمختلف أسس المسؤولية الدولية، تبيّن له أنّ الفعل غير المشروع يعتبر أساسا ملائما لقيامها، إلاّ أنّ هذا لا يعتبر الأساس الوحيد، حيث أنّ المسؤولية الدولية في مجال حماية البيئة يمكن أن تستند إلى أسس قانونية أخرى، مثل نظرية المخاطر، والتي تم اعتمادها لعدة اعتبارات أهمها: العدالة، والتوازن، وهذا ما تؤكده المواد: (25/01) من اتفاقية " بروكسل " لعام 1963 والمتعلقة بالمسؤولية المدنية في مجال النقل البحري للمواد الذرية، وكذلك المادة (02) من اتفاقية 1972 الخاصة بالمسؤولية الدولية عن الأضرار الناتجة عن الأجسام الفضائية والتي تقرر المسؤولية المطلقة للدولة، كما أنّه لا يمكن الجزم باعتبار نظرية الخطأ غير صالحة كمستند للمسؤولية الدولية لأنّ أهميته مرتبطة باعتبار الفرد شخصا من أشخاص القانون الدولية أم لا, وعلى هذا فيمكن اعتبار الفرضية الأولى غير كافية لوحدها, في تأسيس المسؤولية الدولية في مجال حماية البيئة, كما لاحظ الطالب خلال التعرض إلى عناصر المسؤولية الدولية، وجود صعوبة في أحيان كثيرة من أجل إيجاد رابطة السببية بين الضرر والفعل المسبب له، وهذا شرط أساسي لقيام المسؤولية، وتزداد الصعوبة في النشاطات الإشعاعية، كما أنّ إجراء التحقيق في ارتكاب جريمة الاعتداء على البيئة لا يتم إلاّ إذا توافرت المعايير الثلاثة المنصوص عليها في المادة (55) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات " جنيف " كما أنّ تقدير هذه المعايير مسألة شائكة وغير واضحة.
وضعت لجنة القانون الدولي جريمة الاعتداء على البيئة، ضمن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية والسلم، إلاّ أنّ الواقع الدولي لا يتجه نحو مساءلة الأشخاص المسؤولين جنائيا على ذلك وهذا ما يعكس الحماية غير المباشرة وغير الكافية للبيئة أثناء النزاعات المسلحة.
إنّ ضحايا النشاطات الخطرة يتم تعويضهم وفق ما ينتجه القانون الدولي الخاص وهذا ما يؤكد الفرضية الثانية، وهو قصور يفسر هذا التوجه الدولي العام نحو إبرام اتفاقيات خاصة بالتعويضات، وخاصة لمّا يتعلق الأمر بأضرار جسيمة تلحق بصحة البشر. ولعلّ إنشاء صناديق للتعويض ومساهمة الدولة ماليا خير مثال على ذلك.
تتعدد وسائل حل المنازعات في مجال البيئة بين وسائل سلمية، من مفاوضة ووساطة ومساعي حميدة وتحقيق، إلى تسوية قضائية من تحكيم ومحاكم، وهي بهذا لا تختلف عن غيرها من المجالات القانونية الأخرى على المستوى الدولي، كما أنّه لا وجود لنوع معين ومحدد من هذه الحلول, يجب اللجوء إليه، فللأطراف الخيار في اللجوء إلى الوسيلة التي يتراضون عليها.
رغم خطورة الأضرار التي يسببها التلوث إلاّ أنّه من النادر عرض المسائل المتعلقة بالبيئة للتسوية القضائية، بل يُفضّلُ اللجوء إلى الوسائل الأخرى، وهذا لأسباب أهمها تعقد الإجراءات والزمن الطويل الذي تستغرقه، إضافة إلى النفقات التي تتطلبها.
وختاما لهذه المذكرة، قد يكون من المفيد أن يتقدم الطالب ببعض المقترحات والتوصيات التي قد تكون مساهمة، ولو جِدُ متواضعة، لسدَّ بعض الثغرات في مجال حماية البيئة:
1. وضع قواعد المسؤولية الدولية في مجال حماية البيئة (برّية، وبحرية، وهوائية)، في قالب موحد يراعي مجموعة من الشروط أهمها:
• حماية البيئة لذاتها دون اعتبار آخر، لأنّ الاهتمام بالكل سينعكس حتما بالإيجاب على الجزء في أغلب الأحيان.
• وجوب اعتبار التلوث الخطير والذي يمس بمصلحة إنسانية مشتركة، جريمة دولية كجرائم العدوان والإبادة وغيرها.
• ضرورة تأسيس محكمة جنائية دولية خاصة بمسائل البيئة.
2. توحيد، ولو بصورة متقاربة، للتشريعات الوطنية، الخاصّة بحماية البيئة، بحيث لا يكون هناك تفاوت كبير، في الجزاء المقرر لجريمة التلوث من دولة لأخرى.
3. ضرورة نقل الالتزامات الواردة في الإعلانات الدولية الكبرى، مثل إعلان "ستوكهولم" وإعلان "ريو"، إلى مجال الاتفاقيات الدولية الملزمة ومنه إمكانية تحريك المسؤولية الدولية في مواجهة المتسببين في الإخلال بهذه القواعد.
4. ضرورة الإشارة إلى حماية البيئة زمن النزاعات المسلحة، بطريقة صريحة ومباشرة وليس بالنص على "الأعيان المدنية" كما هو الشأن عليه في اتفاقيات "جنيف". |
en_EN |