Abstract:
مرحلة الحداثة مرحلة حساسة جدا و تعتبر من أكثر المراحل العمرية خطورة و التي خلالها يتقرر مستقبل الحدث و تتحدد ملامح اتجاهاته و سلوكه في مرحلة البلوغ, و إذا كان انحراف الحدث مؤشرا على ميلاد خطورة اجتماعية أو مشروع جريمة على وشك النمو فهو في كل الأحوال مؤشرا على قصور دور المجتمع في رقابة و حماية هذه الفئة و التي تعتبر جزءا لا يتجزأ منه .
لقد عرف العالم في الآونة الأخيرة موجة من الانحرافات و الإجرام ساهمت فيها بقدر كبير التغيرات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و التكنولوجية مما أدى إلى ظهور أشكال مختلفة من الإجرام و ارتفعت نسبته في كثير من المجتمعات , و المجتمع الواعي و الراقي هو الذي يقدم الرعاية لأبنائه لتوقي انحرافهم و معالجتهم فيعطي الاهتمام لأطفاله و يحميهم من حافة هاوية الانحراف من خلال نظرة جديدة قوامها العطف و الرعاية و الفهم الصحيح .
و في هذا السياق تبدو أهمية الإجراءات التي يخضع لها الحدث الجانح, و من خلال دراستنا لموضوع أحكام معاملة الحدث الجانح أثناء مراحل الدعوى العمومية و في مرحلة تنفيذ الحكم لاحظنا أن المشرع الجزائري قد خص هذه الفئة أحكاما و إجراءات خاصة يغلب عليها الطابع التربوي والتهذيـبي أكثر منه العقابي و الردعي، هادفا من وراء ذلك حمايته و اصلاحه, و يكون المشرع الجزائري قد أخذ بالأساليب الحديثة لمعاملة الحدث مراعيا من وراء ذلك المصلحة الفضلى للطفل.
وفي بداية دراستنا لاحظنا أن المشرع الجزائري لم ينص على إجراءات خاصة بالأحداث عند التحري الأولي, و هو يخضع بذالك إلى الأحكام العامة التي يخضع لها البالغين .
أما بالنسبة لتحريك الدعوى العمومية فرأينا انه لا يجوز لوكيل الجمهورية تطبيق إجراءات التلبس على الحدث أو الاستدعاء المباشر و أن جميع الجنح و الجنايات المرتكبة منه لابد من التحقيق فيها ما عدا فيما يخص المخالفات.
و بالنسبة لخصوصيات التحقيق القضائي فان الإجراءات التي يتبعها قاضي الأحداث أو تلك التي يتبعها قاضي التحقيق الخاص بالبالغين و المكلف خصوصا بقضايا الأحداث تختلف عن التحقيق مع البالغين, كون التحقيق مع الحدث يرتكز على البحث في شخصية الحدث و القيام بما يسمى بالتحقيق الاجتماعي و ذالك للوقوف على شخصية و ظروف الحدث المادية و الأدبية لتكوين فكرة واضحة عن دوافع الانحراف و مبرراته و اتخاذ الإجراء الذي يتناسب مع حالة الحدث, كما يحق له اتخاذ التدابير التي تخدم مصلحته و هي في جوهرها تدابير تربوية تهذيبية كما تتميز هذه المرحلة بالسرية .
أما فيما يخص مرحلة المحاكمة فإنها تتميز بإجراءات خاصة و تشكيلة تختلف عن تلك التي تخص البالغين فمحكمة الأحداث تتشكل من قاضي الأحداث رئيسا و من قاضيين محلفين, و فيما يخص المحاكمة فإنها تتميز بإجراءات خاصة من بينها سرية المحاكمة وفقا لما نصت عليه أحكام المادة 468 من قانون الإجراءات الجزائية, و التي سمحت بحضور أشخاص معينين على سبيل الحصركما يمكن للقاضي أن يأمر بانسحاب الحدث طيلة المرافعات أو خلال جزء منها و الحكم الذي يصدر يكون في جلسة علنية بحضور الحدث .
كما لا يمكن محاكمة الحدث إلا بحضور مسؤوله المدني, و مراعاة لمصلحة الحدث يمكن للقاضي إعفاء الحدث من حضور الجلسة و يحضر نائبه القانوني أو محاميه و يعتبر الحكم في هذه الحالة حضوري.
وبعد صدور الحكم في القضية فإما أن يكون بالبراءة أو بتوقيع عقوبة مخففة أو اتخاذ تدبير من التدابير المقررة قانونا، و لاحظنا أنه رغم تعدد صور التدابير و اختلافها إلا أنها تتفق في مضمونها باعتبارها تدابير تربوية تهدف إلى إصلاح الحدث و تهذيبه, و رأينا آن المشرع الجزائري خص فئة الأحداث بعقوبات مخففة لأنه كما رأينا أن معظم الفقهاء و علماء النفس يرون أن قسوة العقوبة قد تزيد في حدة الإجرام لدى فئة الأحداث .
و أحيانا قد تكون حالة الحدث البيئية غير مناسبة لإصلاحه و تهذيبه مما يستدعي إبعاده عن الوسط الذي يعيش فيه ووضعه بمراكز خاصة بالأحداث فإما أن تكون مراكز إعادة التأهيل أو مراكز متخصصة بإعادة التربية.
و رأينا أن دور القاضي لا ينتهي بتقرير العقوبة أو التدابير و إنما يتعداه إلى السهر على تنفيذ الأحكام الصادرة منه و الإشراف على ذلك، كما له صلاحية تغيير و مراجعة التدابير المتخذة في حق الحدث الجانح إذا رأى ذلك ضروريا حسب تطور ظروف و شخصية الحدث.
و في الأخير نستطيع أن نقول أن الطفل الجزائري قد حضى باهتمام السلطات المختصة و ذلك من خلال النصوص المتعددة التي سنها المشرع الجزائري و التي تنظم مختلف جوانب حياة الطفل و التي تحدد و تصون حقوقه و هذا التعدد و التنوع في القوانين يعتبر من أسباب جهل الكثير منها سواء من طرف القضاة أو الأحداث و هذا ما دفع بوزارة العدل التفكير في وضع قانون حول حماية الطفولة يتضمن تحديد مختلف الحقوق و الإجراءات المطبقة من مختلف الجهات القضائية و الاجتماعية و مختلف الهيئات و المؤسسات التي تعمل في مجال حماية الطفولة، و يكون هذا القانون ثمرة تنسيق بين مختلف مجهودات هذه الهيئات و المؤسسات و يحدد مجال تدخل كل منها و هو ما يعطي أكثر حماية للطفل كما يقضي على الصعوبات التي يواجهها المعنيون اليوم، وكما يقال :
« محكمة الأحداث تعتبر في حقيقتها هيئة اجتماعية تظم الباحث الاجتماعي و النفسي إلى جانب رجل القانون و ذلك بهدف بحث حالته و كشف انحرافه و تحديد العلاج الملائم و توفير الرعاية الصالحة و التوجيه الصحيح و من ناحية أخرى هي محكمة مسؤولة عن تطبيق القانون».