Abstract:
إن الأهمية البالغة التي تحتلها الملكية العقارية جعل من الضروري تأسيسها علي دعائم تبعث الثقة والإطمئنان، مما جعل المشرع الجزائري يتبنى نظام الشهر العيني رغبة منه في تطهير الملكية العقارية وذلك بموجب الأمر 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري وما صاحبه من مراسيم تنفيذية، الذي يقوم أساسا علي عملية المسح التي من خلالها يمكن تحديد وضعية الأملاك العقارية العامة والخاصة من خلال جرد وصفي وتقييمي للثروة العقارية، مما يحقق معرفة شاملة ومنهجية لهذه الأخيرة، كما تمكن المعلومات المستقاة حول الملاك من الوصول إلى التحكم في معطيات صحيحة لدراسة وإقامة مشاريع ذات الأهمية الوطنية على أساس أن المسح العقاري هو السبيل الوحيد لتحيد النطاق الطبيعي للعقار المراد مسحه والذي ينتهي بتسليم صاحبه الدفتر العقاري الذي يعتبر بطاقة تعريف للعقار وحالته المدنية الفعلية والسند الوحيد لإثبات الملكية العقارية في المناطق التي شملتها عملية المسح.
ومن خلال موضوعنا خلصنا أن بعد الإنتهاء من عملية المسح العقاري، لا مجال لإثبات الملكية العقارية ألا عن طريق الإستناد إلى الدفتر العقاري، كما يعتبر هذا الأخير منتوج نظام الشهر العيني ويجب أن يستمد منه خصائصه ومميزاته من قوة ثبوتية وحجية وقدرة علي تطهير التصرفات ودلالته القطعية علي الملكية، إلا أننا رأينا أن المشرع الجزائري لم يأخذ بالقوة الثبوتية المطلقة للدفتر العقاري ولم يحصن الدفتر العقاري من إمكانية اللجوء إلى القضاء من أجل طلب إلغاءه، كما أنه لم يحدد مدة زمنية معينة لسقوط الحق في رفع الدعاوى القضائية مما يجعل صاحب الدفتر العقاري عرضة لرفع الدعاوى القضائية في أي وقت كان، وهذا ما قد يؤدي إلى زعزعة إستقرار المعاملات الناقلة للملكية العقارية لا سيما إذا ما تصرف المالك في عقاره لفائدة الغير حسن النية.
كما يعتبر المسح العقاري الذي يقوم عليه نظام الشهر العيني، نظام ناجع في تأسيس السجل العقاري ومجموعة البطاقات العقارية غير أنه لم يحقق الأهداف التي أنشئ من أجلها بسبب تأخر إستكمال عملية المسح العام ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها جهل أغلبية أفراد المجتمع لمفهوم المسح وعدم إدراكهم مضمونه كما يصادف أعوان المسح كثير من الصعوبات في الميدان نتيجة غياب الملاك أثناء عملية المسح بعد إستدعائهم للحضور بعين المكان، للتحديد التلقائي للملكية وهو ما يقلل من مصداقية الوثائق المساحية الناتجة عن هذه العملية،أو منعهم من الدخول إلى الملكيات في مرات عديدة، رغم أن القانون قد ألزم الملاك وذوي الحقوق بتقديم المساعدة الضرورية لأعوان المسح من خلال السماح لهم بالدخول إلى الملكيات للقيام بالعمليات اللازمة لإعداد وضبط الوثائق المسحية، وكذا معاينة التغيرات التي قد تطرأ علي العقار وغيرها من الصعوبات والعوائق الأخرى مثل نقص العامل البشري والمادي.
هذا وقد أصدر المشرع الجزائري القانون رقم 07/02 المؤرخ في 27/02/2007 المتضمن تأسيس إجراء لمعاينة حق الملكية العقارية وتسليم سندات الملكية عن طريق تحقيق عقاري يعمل على ضمان تلافي عيوب المرسوم رقم 83/352 المؤرخ في 21/05/1983 المتضمن سن إجراء إثبات التقادم المكسب وإعداد عقد الشهرة المتضمن الإعتراف بالملكية ويؤدي في آجال قصيرة إلى إثبات وتسليم عقود وسندات الملكية العقارية الخاصة، ورغم الدور الذي لعبه هذا القانون إلا انه لا يمكن الإعتماد عليه بصفة أحادية لإنجاح عملية التطهير العقاري بل يجب أن يتزامن مع سياسة واضحة لتفعيله تضمن الإنتهاء من عملية المسح العام للأراضي في المرحلة المتبقية له.
وبناء على ما سبق يمكننا أن نقترح ما يلي:
1- توعية المالكون وأصحاب الحقوق العينية بدور عملية المسح العقاري في تحديد الملكيات وضبط الملكية العقارية، لتحقيق الإستقرار في المعاملات العقارية، وذلك بتخصيص حملات إشهارية واسعة سمعية وبصرية....
2- وجوب سن نصوص قانونية تنص علي مدة رفض إيداع وثائق المسح العقاري، كما هو الحال بالنسبة لإيداع الوثائق الأخرى، هذا حتى لا تتذرع المحافظة العقارية بعذر تبرر به الوتيرة البطيئة في سير مهامها، والتي تشكل عائقا أمام إتمام عمليات المسح العقاري ، وبالتالي التأخر في تسليم الدفاتر العقارية.
3- ومن خلال دراستنا رأينا أن المشرع قد أضاف المادة 23 مكرر إلى الأمر 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري بموجب القانون رقم 14/10 المؤرخ في 30/12/2014 المتضمن قانون المالية لسنة 2015 لمعالجة إشكالية العقارات المجهولة المالك وترقيمها باسم الدولة إلا أن في الواقع العملي هذه المادة لم تلق التطبيق إلى حد ألان من قبل المحافظات العقارية التي لازالت تطبق المذكرة رقم 9642 الصادرة عن المديرية العامة للأملاك الوطنية،وذلك لعدم صدور المراسيم التنفيذية التي تبين كيفية تطبيق هذه المادة وكذا كيفية إنشاء اللجنة وعملها، لذلك نقترح من المشرع أن يصدر المراسيم التنفيذية لتبين تطبيق هذه المادة وكذا تبين كيفية إنشاء اللجنة وعملها حتى يتسنى للمحافظة العقارية القيام بعملها وتطبيق هذه المادة.
4- إضافة مواد صريحة ضمن الأمر رقم 75/74 المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري تنص صراحة علي مبدأ قوة الثبوت المطلقة وإستبعاد مبدأ القوة النسبية للدفتر العقاري في إثبات الملكية العقارية في المناطق الممسوحة.
5- بالنسبة للتقادم، نرى ضرورة إضافة مادة صريحة في نفس الأمر المذكور سابقا، تقضي بعدم إمكانية تملك العقارات الممسوحة بالتقادم خاصة وأن القانون المدني يسمح بإكتساب الملكية والحقوق المتفرعة عنها بالحيازة في المواد( 827، 828، 844، 868).
6- رأينا ان المشرع قد ترك آجال الطعن في المنازعات المتعلقة بالترقيم النهائي للعقارات، والمتعلقة بتسليم الدفتر العقاري، مفتوحة ولم ينص علي الأجل المسقط، وهو ما من شانه التأثير سلبا علي إستقرار نظام الملكية العقارية،لذلك نقترح أن ينص المشرع صراحة علي تحديد مواعيد الطعن، يسقط بفواتها الحق في إقامة أية منازعة بشأن حجية الدفتر العقاري.
وما يمكن استخلاصه من هذه الدراسة هو أن نجاح تطبيق نظام الشهر العيني في بلادنا بكل مبادئه التي يقوم عليها ، متوقف علي ضرورة إتمام عملية المسح عبر كافة أنحاء الوطن الذي من خلاله يتم تسليم الدفتر العقاري للملاك باعتباره السند الوحيد المثبت للملكية،إذ أن التجربة علي أرض الواقع العملي لنظام المسح العقاري وتأسيس السجل العقاري أملت العديد من المتطلبات الضرورية والتي يتطلب مراعاتها لتجنب الأخطاء والتباطوء في تجسيد هذا النظام، وكذا تدخل المشرع الجزائري لجعل كل النصوص القانونية المتعلقة بالشهر متناسقة فيما بينها.