Abstract:
لقد تناولنا في موضوعنا هذا نوع من الدراسة والتحليل من وسائل الوقف التي تتعلق بتكوين اشتراطات الواقف ، فعرفنا إن الوقف هو حبس المال على وجه التأبيد والشرع بالمنفعة على وجه من أوجه البر والخير، ولقد أصبح الوقف اليوم يشكل مؤسسة خيرية مستقلة في إدارتها وتسييرها عن الإدارة العامة للدولة.
ان أهمية نظام الوقف في الإسلام، ودوره الكبير في خدمة المجتمع؛ فهو إضافة تفرد بها الإسلام مع ظهوره، من إضافاته المتعددة التي سعى بها إلى حل المشكلات الاجتماعية، وتحقيق التوازن النفسي بين أفراد المجتمع من جهة، وبين الفرد والمجتمع كله من جهة أخرى.
ومن هنا يعد الوقف في الإسلام أحد الروافد الأساسية التي صنعت الحضارة الإسلامية؛ فلا بد إذن من المحافظة عليه ومحاولة الإفادة منه على الوجه الأمثل، بدلا من إطلاق الدعاوى بتصفيته وإلغائه؛ فإن الدعوة بذلك هي دعوة من لم يفهم نظام الوقف في الإسلام على وجهه الصحيح، ولم يدرك وجوه النفع المتعددة التي تعود على المجتمع منه، وإنما اكتفى بالنظر إلى القشور التي تظهر ممثلة في الإشكاليات المتعلقة بالوقف، وهي في الحقيقة إشكاليات تتعلق بتطبيقاته، ولا تتعلق بجوهره؛ فليكن العمل إذاً على معالجة تلك الإشكاليات والعمل على وضع الحلول المناسبة لها في ضوء الاجتهادات المستنيرة التي سطرها العلماء والأئمة في المذاهب المختلفة بشأن الوقف.
وبتصحيح أوضاع الوقف والتشجيع عليه نعود بالإنسان إلى مبادئ الإسلام السمحة، وقِيَمِه العظيمة التي توجه الفرد إلى نفع مجتمعه، كما ينفع نفسه، فما أجمل أن يشعر الإنسان أنه يخدم الآخرين، وأنه عون لهم في أزماتهم يخففها عنهم، ويدفعها عن كواهلهم، وهذه هي قيمة المرء الحقيقية في مجتمعه، وما أعظم أن يشعر المرء بأنه قد صار ذا قيمة في المجتمع.
و بهذا يحقق الوقف الأغراض الشرعية والأغراض الشخصية الفردية دون مزاحمة، أو معارضة ، فقد منح الشرع الإسلامي الواقف الحرية ،والإرادة التامة في الكيفية التي يرغب بها في التصرف في ما يحبسه من أموال ، والشروط التي تلبي رغباته وتحقق آماله فيما يوقف ، سواء بالنسبة للأشخاص ، أو للمرافق، ولكن في الحدود التي شرعها الإسلام ، فـمهما شرط الواقف في تخصيص الوقف ، أو إجارته، أو مصارفه اتبع شرطه ، فلو شرط تخصيص المدرسة ،أو المقبرة بأصحاب مذهب مخصوص دون تجاوز أو تخط لأحكام الشريعة وقواعدها العامة ،أو الخاصة ؛ من أجل هذا صحح الفقهاء مفهوم القاعدة الفقهية المسلمة ( شروط الواقف كنصوص الشارع ) ، حتى لا يبتعد بها عن مدلولها الصحيح