الخلاصة:
من خلال كل ماسبق ومن خلال دراستنا لعنصر الشكل والإجراءات في القرار الإداري يتضح لنا أنه على الإدارة أن تراعي عند إصدار كل قرار إداري الأشكال والإجراءات التي حددها القانون في هذا المجال ،والقاعدة العامة هي أن كل مخالفة من جانب الإدارة لقواعد الشكل والإجراءات يترتب عليها تعرض القرار الإداري للإلغاء.
ولكن لايجب الأخذ بهذه القاعدة على إطلاقها اذلابد من التفرقة بين الشكليات الجوهرية والثانوية،فالشكليات الجوهرية هي وحدها التي يترتب عليها إلغاء القرار الإداري.
فإن مخالفة الإدارة لمثل هذه الشكليات تعيب القرار الإداري بعيب في الشكل أو الإجراءات يقضي إلى إلغائه إذا كانت من الجسامة والأهمية بحيث تجعل من هذه الشكليات أو الإجراءات جوهرية تجعل من إغفالها أو التهاون بها أمرا يخل بكيان القرار الإداري وشرعيته خصوصا اذاكانت مشرعة لمصلحة الأفراد.
ولما كان الهدف من الشكليات والإجراءات هو حماية المصلحة العامة التي تعمل الإدارة على تحقيقها وكذلك حماية حقوق وحريات الأفراد ومصالحهم المشروعة ،وليست مجرد إغراق الإدارة في المزيد من التعقيدات ،التي لاطائل منها بدلا من إطلاق يد الإدارة وإفصاح المجال أمامها لمواكبة الظروف المتغيرة فإنها قد تؤدي إلى تعقيد نشاطاتها وقتل المبادرة لدى رجالها وإطالة الزمن وتفويت الغرض والعجز والروتين مما ينعكس سلبا على القيام الإدارة بأعمالها ويضر بالمصلحة العامة بوجه من الوجوه.
لذلك من المسلم به إمكانية تجاوز الإدارة لمثل هذه الشكليات في بعض الحالات الاستثنائية وفي حالات العجلة القصوى التي يبرر التجاوز فيها المحافظة على الهدف من القرار الإداري وعدم تفويت فرصة تحقيقه بإتباع ذات الشكليات، وكذلك أيضا اذا كانت هذه الشكليات غير ضرورية أو قليلة الأهمية لدرجة تجعل من إهمالها أقل خطر وأهمية من مراعاتها بحرفيتها مع مايتطلب ذلك من وقت وتدابير قد تفقد القرار جدواه وأهميته.
ولقد عنى القضاء الإداري في رقابته على القرارات الإدارية وخصوصا على عنصر الشكل والإجراءات محاولا وضع معايير واضحة للتميز بين الأشكال والإجراءات الجوهرية التي يترتب على مخالفتها إلغاء القرار الإداري جزءا لهذا العيب وبين الأشكال والإجراءات غير الجوهرية التي لايؤدي إهمالها بالضرورة إلى إلغاء القرار الإداري.
وللتقليل من عيوب المشروعية والتي منها عيب الشكل والإجراءات لابد من وضع إجراءات وقائية بصورة تيسر وسائل إثبات هذا العيب لمساعدة المدعي على الإطلاع بدوره في إثباته ،وفي المقابل على الإدارة العامة أن تولي أهمية قصوى عند اختيارها لموظفيها وتدعيمهم بتدريبات لاحقة لتعيينهم بحيث لن تمنح سلطة إصدار القرار إلا لمن يستحقها وبعد أن يجتاز هذه التدريبات وبجدارة واستحقاق ،ويثبت مقدرته على هذه المسؤولية الصعبة ،وتكون هذه التدريبات دورية بحيث يكتسب الموظف المسؤول خبرات
حتى يكون على مستوى عال مسلح بأحدث الوسائل والأساليب الفنية والقانونية،ولابد من تفعيل الإجراءات العقابية والمتمثلة أساسا في محاسبة رجال الإدارة لردعهم بصورة صارمة.
ومن جهة أخرى يجب أن يكون المشرع أكثر وضوحا حتى يسهل على القاضي مهمته الصعبة أصلا،ألا وهي حماية مبدأ الشرعية بصفة عامة وحماية شرعية القرارات الإدارية بصورة خاصة والحكم بعدم إلغائها في حالة ثبوت شرعيتها أو إلغائها بمعنى القضاء على آثارها غير المشروعة بأثر رجعي.فهو بذلك يحمي الحقوق والحريات الفردية .
لأن مسؤولية القاضي الإداري خطيرة وصعبة ومعقدة في آن واحد ولأن الأعمال الإدارية سريعة التطور من حيث طبيعتها ،فمن المفترض إعادة النظر من حين إلى آخر في تكوين واختصاص رجال القضاء بصفة عامة. والقضاة المختصين بالدعوى الإدارية على مستوى المحاكم الإدارية وفي المحكمة العليا ومساعدتهم على تطبيق السليم والاختيار الأنسب للقاعدة القانونية الملائمة للدعوى المعروضة أمامهم.
ويبقى الأمل قائما في إثراء النظام القضائي الجزائري بما يكفل للدولة الجزائرية احتراما ومصداقية تطبيقا لمبدأ الشرعية ،ولا ننكر محاولات وتطبيقات النظام القضائي الجزائري التي فيها الكثير من الاجتهادات في مواجهة قرارات السلطة الإدارية وخاصة المعيبة بعيب الشكل والإجراءات.