الخلاصة:
قادني البحث هذا " طبيعة المعرفة العلمية عند : بول فيرابند" في الأخير إلى جملة من النتائج والتي تتمثل في :
أن العلم قد حاز على قيمة واسعة ، في الفكر الإنساني ولعل هذا يعود بالأساس إلى المنهج الذي تأسس عليه هذا الأخير ، الذي لم يكسب صيغته النهائية إلا عبر مسار تاريخي ترسخت فيه مقولة " المنهج " كأحد المقولات الدالة على العلم وصارت قيمة العلم من قيمة المنهج الذي يتبعه . وإن كان" كارل بوبر" صريحا في تقويضه لمنهج الإستقراء ، وأقترح بديلا عنه فإن" بول فيرابند " قد دفع بشكوكه حول قيمة المنهج ، ومنه قيمة العلم نحو حدوده القصوى حيث شكلت الإبستمولوجيا الفوضوية آداة هدم لكل محاولة تسعى إلى عقلنة المشروع العلمي ، وضبط مساره التقدمي ، فأنتقد الطابع الإختزالي للطرح المنهجي عند الوضعية المنطقية وبالمثل عند " كارل بوبر و" توماس كون" ليأكد في نهاية المطاف بأن كل المثيدولوجيات والمقاربات الإبستمولوجية لم تفلح في فهم حقيقة العلم .
قدم فيرابند مشروعه اللإبستمولوجي تحت شعار " كل شيء جائز أو حسن " ، وكان المقصود منه تحرير العلم من القيود المنهجية وإعطائه طابع خاص يتسع لكل المناهج ، والنظريات مدعوة للمشاركة في المشروع العلمي ، وهذا الأخير وحده من يضمن للعلم مساره التقدمي .
ويمكن القول أيضا: بأن قيمة العلم وفق تصور فيرابند ليست بتفوقه على باقي الأنظمة المعرفية ، وإنما قيمته تتجلى في كونه نظاما منفتحا على كل المعارف والأفكار والمناهج ، فالعلم مشروع تحرري غير خاضع لضوابط منهجية أو عقلية ، لهذا حاول إستعادة القيمة الحقيقية للعلم ، التي كانت بمثابة قوة تحررية حررت الفكر الإنساني في عقود سابقة .
كما أن الأبستمولوجيا الفوضوية قد أثارت جدلا واسعا بين فلاسفة العلم نتيجة لتضارب المواقف حولها ، فقد رفضها البعض لإنها عملت على تقويض العلم والعقلانية دون إعطاء حلول للمشكلات العلمية ، لكن بالرغم من الإنتقادات الموجهة لها ، إلا أنه لايمكن أنكار محاولتها في إضفاء قيمة جديدة للعلم ، تتوافق مع البعد الإنساني وإعادة إحياء جوانب غيبتها الدراسات التاريخية للعلم ، كما أنها فتحت فضاء أمام التعدد المنهجي ، وحاولت التخفيف من شدة الإختلاف والصراع بين أفراد المجتمع الإنساني وذالك بإستيعاب هذا الإختلاف والإقرار بحق اآخر بالإختلاف المعرفي ، في فضاء يتسع للجميع ولكل التقاليد المعرفية الإنسانية .