الخلاصة:
إنطلاقا من الصورة المعالجة للمخطط الإستعماري من خلال فصل الجنوب الجزائري عن شماله، و النجاح الدبلوماسي في صد ذلك، توصلنا إلى مجموعة من النتائج يمكن تلخيصها فيما يلي:
كان إهتمام الإدارة الفرنسية بالصحراء الجزائرية منذ بداية الإحتلال، و ذلك لربط مستعمراتها في شمال إفريقيا بغربها، فأولوا إهتمامهم بموضوع المواصلات لتسهيل عملية تنقل قواتهم العسكرية، و خدمة التجارة الفرنسية، و تزايد الإهتمام بالصحراء الجزائرية تزايدًا ملحوظًا في الاهتمام؛ متمثلاً في النفقات على المشروعات الإقتصادية في الصحراء.
إن قوة الثورة الجزائرية و فعاليتها أثرت بشكل بليغ على الأنظمة السياسية الفرنسية كان آخرها قدوم ديغول إلى الحكم، محاولاً بمشاريعه تعويض ما فات فرنسا خلال هذه المرحلة، و رغبة منه في جعل الصحراء رهان آخر في يدها، أو مناورة للحفاظ على ما سمَّته "بالحقوق المكتسبة"، بمعنى إعطاءها لنفسها حقاً مشروعاً في إكتساب و إقتطاع هذه المنطقة، و تجنيد كل ما يملكون من قدرات علمية، و تسخيرها للحاق بالركب، و الانخراط في النادي النووي، كما فتحت الأبواب أمام الإستثمارات و الشركات الأجنبية لتجنيد الغرب وراءها و المحافظة على الصحراء كقاعدة عسكرية تمول أوربا الغربية، و تحمي ظهرها في نفس الوقت من ناحية الجنوب ضد المد الشيوعي.
مقاومة الجزائريين للمناورات الفرنسية الهادفة إلى فصل الصحراء عن الجزائر و رفضهم كل محاولة للتجزئة الترابية بشكل صريح و علني، و طرحهم لكل الإغراءات المعروضة من قبل سلطات الاحتلال، و هذا ما توصلنا إليه من خلال دراستنا للموقف المشرف للشيخ بيوض، الذي كان بمثابة حجر عثر أمام سياسة الفصل الفرنسية باعتراف من الإدارة الإستعمارية الفرنسية نفسها، و كانت المعارضة البيوضية للسياسة الفرنسية منذ الخمسينيات من خلال خطبه، و رسائله، و رفضه للإغراءات، و المساومات الفرنسية و توطيد علاقته بالقيادة الثورية بإبلاغها بكل جديد حول القضية، حتى نال الإعتراف من قبلها.
و من دون شك سيلاحظ الميزة التي إتسم بها الشعب الجزائري ككل، و هي روح المقاومة اللامتناهية، و السعي إلى تحقيق الأهداف دون كلل أو تعب حتى آخر ساعات الإحتلال، و الإيمان القوي بالوحدة الترابية في كل المجالات.
لقد كرست الحكومة المؤقتة كل المجهودات من أجل إفشال سياسة ديغول حول الصحراء، فقد إستغلت الفرص في مختلف المحافل الدولية لتعريف الرأي العام العالمي بقضية الجزائر و أحقيتها بالصحراء.
نلاحظ قناعة فرنسا بأن الصحراء أرض جزائرية، و لكن رغم ذلك لم تخرج صفر اليدين، بل وقعت في إتفاقيات إيفيان على عقود شراكة و تعاون في مجال النفط.
إن الإنتقادات التي وجهت للجبهة بأنها إستبدلت الإستعمار العسكري و السياسي المباشر باستعمار إقتصادي من خلال إتفاقيات إيفيان، قد تم تجاوزها بمؤتمر طرابلس المنعقد في 27 ماي – 07 جوان 1962، الذي وضع آليات الدولة الجديدة، بدءاً بتأميم الثروات الجزائرية، و خلق إقتصاد جزائري محض بعيداً عن التبعية للدولة المستعمرة سابقاً أو الدول الأخرى.
مهما تحدثنا و بحثنا عن الحقيقة في تاريخ الجزائر، و تاريخ مواجهة شعبها للسياسة الإستعمارية التعسفية، لن نجد إلا الرغبة الجامحة لفرنسا، و تشبثها الأعمى بالجزائر، لكن التاريخ يشهد على صمود الجزائريين حتى تحقيق النصر، و المحافظة على مقومات الأمة و على وحدة ترابها.
و في الأخير نتمنى أن نكون بهذا العرض الوجيز قد فتحنا المجال أمام زملائنا الطلاب في قسم التاريخ لمواصلة البحث في مسألة محاولات فرنسا لفصل الصحراء عن الجزائر و إتمامه.