الخلاصة:
حاولنا من خلال ما سبق أن نقدم لمحة تاريخية عن البعد المغاربي للثورة الجزائرية من ( 1954 م ـ 1962 م )، عرضنا من خلالها أهم وثيقتين من مواثيق الثورة هما بيان أول نوفمبر 1954 م و ميثاق الصومام 1956 م، و اللذان طرحا فكرة البعد المغاربي للثورة الجزائرية، و تمسُّكًا بما جاء فيهما واصلت جبهة التحرير الوطني نشاطها السياسي و الدبلوماسي في نفس الإتجاه إيمانا منها بتحقيق الوحدة المغاربية، و رأينا كيف أنّ السياسة الفرنسية التي إتّبعها شارل ديغول ـ خاصة ـ قد نجحت في الكثير من المرات في كسر التضامن المغاربي الذي يطمح للوصول إلى تحقيق هذه الوحدة، و توصلنا من خلال عرضنا للمسار التاريخي للثورة الجزائرية في تبنيها للبعد المغاربي من خلال جريدة " المجاهد " إلى نتائج أهمها:
ـ إنّ الجهود الكبيرة التي بذلتها الجزائر قبل 1954 م و إستمرت في بذلها خلال سنوات الثورة ( 1954 م ـ 1962 م ) في سبيل تحقيق وحدة مغاربية نجد أنّ هذه الجهود قد غلب عليها طابع جزائري خالص في ظل قبول كل من تونس و المغرب لإستقلالهما بصفة منفردة.
ـ إنّ الوحدة المغاربية التي دعت إليها الحركة الوطنية الجزائرية قبل 1954 م و إلى غاية 1956 م غلب عليها الدعوة إلى النضال المسلح المشترك كخطوة أولى لتحقيق الوحدة المغاربية، أما سنة سنة 1956 م فقد مثّلت بداية العمل السياسي و الدبلوماسي لجبهة التحرير الوطني لمواصلة مساعيها نحو مغرب عربي موحد رغم إستقلال تونس و المغرب.
ـ إقتصرت جريدة " المجاهد " في عرضها لنشاط جبهة التحرير الوطني مغاربيا على مستوى كل من تونس و المغرب، فلم تُذكر ليبيا إلاّ نادرًا، أمّا موريطانيا فلا ذكر لأي نشاط لجبهة التحرير الوطني فيها، و ربّما يعود ذلك لطبيعة العلاقات بين موريطانيا و المغرب التي إتّسمت بالتوتر خلال هذه الفترة فرأت جبهة التحرير الوطني ضرورة المحافظة على علاقتها مع المغرب الأقصى بإعتبارها الحليف الأقرب لها في ظل الظروف التي تعيشها الجزائر.
ـ إستطاعت السياسة الفرنسية خاصة في عهد شارل ديغول أن تنجح في الكثير من المرات في كسر التضامن المغاربي و عرقلة تحقيق الوحدة المغاربية التي كانت تطمح إليها جبهة التحرير الوطني، و ذلك من خلال مناوراتها و أساليبها المختلفة التي جمعت بين الترغيب فيما يتعلق بمنح الإستقلال لتونس و المغرب، و عرض إستغلال ثروات الصحراء فنجحت في إبرام إتفاقية إيجلي مع تونس للإستغلال المشترك لبترول الصحراء الجزائرية، طرح تصفية المشاكل العالقة بين فرنسا من جهة و تونس و المغرب من جهة أخرى كمشاكل الحدود، تصفية القواعد الفرنسية في تونس و المغرب و ذلك لجذب كل من تونس و المغرب للإهتمام بمشاكلهم و التخلي عن تضامنهم مع القضية الجزائرية، و إستعمال سياسة الترهيب أحيانا أخرى؛ كقصف قرية ساقية سيدي يوسف، الهجوم على قاعدة بنزرت و ذلك بحجة ـ حق التتبع ـ التي إتخذتها فرنسا ذريعة تحذر من خلالها تونس و المغرب من تقديم أي دعم للثورة الجزائرية، إلاّ أنّ تبني الثورة الجزائرية للبعد المغاربي وسعيها إلى تحقيق الوحدة المغاربية كان له الأثر الكبير في مساندة الدول المغاربية لها، فقامت جريدة "المجاهد" بتغطية كافة أشكال الدعم بإستثناء الدعم العسكري الذي تجنبت رصده نظرا لما يسببه هذا الدعم من مشاكل في العلاقات بين فرنسا و كل من تونس و المغرب.
ـ عملت جبهة التحرير الوطني في مواجهتها للسياسة الفرنسية على العمل مع تونس و المغرب لكسب تضامن الدول الإفريقية و تكوين جبهة إفريقية موحدة تكون في مواجهة السياسة الفرنسية الديغولية ـ خاصة ـ .
ـ إنّ طرحنا للبعد المغاربي من خلال جريدة " المجاهد " ألزمنا أن نسير وفق ما طرحته الجريدة عن العلاقات الجزائرية المغاربية، والتي كانت تقدمها على أحسن صورة بالرغم أن الحقيقة غير ذلك، فقد شهدت هذه العلاقات فترات حرجة عرفت التوتر و الإصطدام أحيانا.