الخلاصة:
يعتبر مبحث التـأويل من أدق البحوث التي تناولها الإمام الغزالي في كتبه ، فحرصه الشديد على توسعة نطاق الدين الإسلامي، والتريث في تكفير أفراد أمة لا إله إلا الله، جعلته يضع ضوابط دقيقة جدا في مسألة التأويل، فنظام الملك (الوزير السلجوقي) كان يبحث عن شخصية تعيد و تبث الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية و مقاصد الشريعة الحقيقية، فلقد كان حال الفرق الإسلامية في ضوضاء من الجدل، تكفر بعضها بعضا، ولقد وجد نظام الملك في الإمام أبي حامد شخصية هادئة تنظر إلى الخصم باعتدال، لغتها في الحوار لغة عقلية وبرهانية، تستخدم في أدلتها الأساليب المنطقية، فممارسة أبي حامد للخطاب العقلي المرن لا على سبيل التعصب وإثارة للوجدان الداخلي،جعلته يتمكن في أوساط الفكر الإسلامي.
نتائج البحث:
ويمكن أن نخلص إلى النتائج التالية :
أولا: أن منهج العلم هو التعقل:فإذا كان خطاب القرآن الكريم في كثير من مواضعه يدعوا الإنسان إلى التدبر و النظر و التأمل في الكون و في آيات القرآن الكريم، إذ هو أساس التكليف، وبواسطته يعرف الشرع، فكان هذا منطلق الإمام أبي حامد في ميدان الدفاع عن الحقيقة الإسلامية، وهو إعادة الاعتبار للعقل ، الذي استغله البعض في طمس الحقائق الإسلامية (الفلاسفة)، ومن زاوية أخرى استغل البعض النصوص الدينية في طمس العقل وتعطيله اغتياله،فالغزالي أعاد للعقل مكانته ، وأعطاه حيز الصدارة في الاجتهاد الشرعي، من غير أن يفهم من هذا التصدر وإعادة الإعتبار له تجاوز النص الشرعي، ومما نستفيده من هذه الرؤية الغزالية هو فتح نور الشريعة على عمل العقل، وفتح نور العقل على نصوص الشريعة.
ثانيا: إن التأويل هو فهم الفهم: لقد جاءت السنة النبوية تشرح وتفسر مضمون القرآن الكريم، ثم جاءت الصحابة يفسرون للتابعين في فهم سنة النبوية في شرحها للقرآن الكريم ، ثم فسر التابعين قول الصحابة رضوان الله عليهم، وضلت هكذا تنقل كابر عن كابر، فكأنما شكل لنا هذا زيادة فهم على فهم حتى تتسع دائرة النصوصالدينية على مستحقات الحياة، فلهذا ألح أبو حامد على ضرورة التأويل وجعله على ثلاثة أحكام (واجب وضروري، وتأويل جائز، وتأويل محرم)، والرسالة التي أراد أن يوصلها أبي حامد هي أن المشترك فيه بين الناس جميعا هو العقل و الاختلاف يكون في درجة الفهم ولا ضير أن يرتقي فهم على فهم أو يختلف معه.
ثالثا: شرط التأويل البرهان وشرط البرهان أن يستند إلى العقل: رأى أبو حامد أن اختلاف الناس في التأويل ناتج عن عدم مراعاتهم للبرهان ، وأنه لا سبيل لتحقيق البرهان إلا عن طريق شروطه، وشروطه تكمن في الأوليات والضروريات العقلية التي لا يسع أن ينكرها عاقل .
رابعا: لا ينبغي تكفير المؤولين ماداموا يلازمون القانون المطلوب: يكمن أن نعبر عن هذا القانون بتعريف بسيط هو أنه: ترجيح أحد الاحتمالات الراجحة في وضع اللغة، عن طريق استناد وسبب عقلي وبرهاني في إطار الشريعة الإسلامية عبر الكائنات الخمسة( الوجود الذاتي، الحسي، الخيالي والوجود العقلي، والشبهي)، فإن خالف المؤول ظاهرا من ظواهر النصوص لهذه الأسباب، فلا ينبغي أن يكفر .
توصيات وآفاق الدراسة:
1- أردنا أن ننوه في هذه الجزئية إلى أمر حول موضوع الدراسة هو أنه يمكن أن يتناول من عدة زوايا وعدة تخصصات (الفلسفة، البلاغة ، والعلوم الإسلامية) ويمكن أن يسقط عليه مقولات كل تخصص، فلا حصر للنتائج التي قد تستنبط من خلال قراءة تراث الإمام الغزالي في موضوع التأويل.
2- إن بحثنا في قانون التأويل كان مركزا أساسا على تحليل و إستقراء هذا القانون، وشروطه و قواعده، عن طريق رسالتيه في ذلك "قانون التأويل وفيصل التفرقة"، وأنه يمكن فتح آفاق أخرى بمقارنتهما مع رسالته الموسومة بـ" مشكاة الأنوار" أو موسوعته الضخمة "إحياء علوم الدين" وبما قرره في غيره من الكتب.
وفي الأخير ما يسعني إلا أن أقول : أرجوا به وجه الله خالصا، فإن أصبنا فمنه وحده، وإن أخطئنا فمن أنفسنا، ونرجو من الله أن يسدد خطأنا على يد غيرنا.