الخلاصة:
وفي ختام دراستنا هذه يمكن إحصاء و إجمال النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا البحث و هذه الدراسة فيما يلي :
إن رفض هيوم لجل الأمور الميتافيزيقية ، جعله يحاول أن يطبع الميتافيزيقا بطابع العلمية وذلك من خلال إقامتها على تحليل الطبيعة الإنسانية وتنظيمها ، بهدف إستكشاف كل الخبايا و المبادئ التي ترتكز عليها الطبيعة الإنسانية ، فهو يريد نظرية عامة تفسر الأسباب ،التي تجعل الكائنات الإنسانية تفكر وتدرك وتفعل وتشعر ، فأصبحت الميتافيزيقا مع "هيوم" علماً للإنسان فأصبحت تتساؤل عن شروط ومبادىء المعرفة .
وما تميزت به فلسفة هيوم هو قيامها على الطبيعة الإنسانية ففي نظريته للمعرفة أكد على أن كل المعارف من قبيل الخبرة الحسية، وذلك من خلال إعطاء تمييز بين كل من الأفكار والإنطباعات، و إعتباره أن كل ما يصدر عن الإنسان من إنفعالات و سلوكات كلها مرتبطة بالتجربة ، "فهيوم" يعطي الأولوية للإنطباعات الحسية على الأفكار ، حيث إعتبر أن الإنطباعات هي الأصول ، فما من فكرة بذات قيمة وذات وجود ، إذا كنا لا نستطيع تعين الإنطباعات الصادرة عنها ، كما نجد "هيوم" ينتقد وينفي وجود الأفكار الفطرية ، وذلك لأنه يرى أن ما يصدر عن الإنسان هو راجع للتجربة لا للعقل ، فيرى أن ما يصدر عن العقل هو مجرد عادة ذهنية و أن كل معرفة عنده هي إنطباعية حسية ، أي أنها ناتجة من الخبرة الحسية ، والأفكار العامة المجردة ليست في نظر "هيوم" غير أفكار عن أشياء و إنطباعات جزئية ، فالألفاظ عنده يعتبرها أفكار مستمدة ومكتسبة من خلال المشاهدة والتجربة الحسية و الإنطباعية .
ويفسر "هيوم" مبدأ العلية وذلك من خلال نفية للضرورة العقلية أو الأفكار القبلية ، ورده فالنهاية إلى التجربة والعادة، فيرى أن حدوث نتيجة معينة لا تعني أن لها علاقة لازمة مع سببها ، فالعلية هي مجرد معتقد يربط كل ظاهرة أو حادثة بالتتابع و التعاقب ، أي تكرار و إطراد الظواهر في الطبيعة، ولهذا يؤمن بما هو تجريبي ، إلا أنه يرى بأن لا العقل ولا التجرية قادرين على تأكيد العلاقة بين العلة والمعلول .
فيرى أن ملاحظة هذا التشابه المتكرر تولد في أذهاننا إنطباعاً جديداً يمثل النموذج الفعلي لفكرة الضرورة ، والذي يعتبره هيوم أنه أصل فكرة العلية أو السببية ، حيث يقول "هيوم" أن التجرية السببية لا يمكن الكشف عن أكثر من الإطراد بين الأسباب والنتائج ، إن ما يسمى بالترابط المفترض وجوده بين الأشياء ليس إلا وهما ، لا يمكن أن تنشأ الفكرة المقابلة لهذا الترابط إلا تشابه عدد من الحالات المفردة للوقائع السببية التي تبدو كلما حضرت مترابطة بإستمرار ،وكلما ظهرت واحدة من هذه الوقائع يحتمل العقل بفعل العادة على إنتظار الواقعة الموالية ، وهذا هو الشعور الذي يجعل الإنسان يخلق في ذهنه إنطباع إمتلاك فكرة الترابط الضروري .
وبهذا أكد "هيوم" على أن العلية مصدرها الخبرة الإنسانية ، والذي يتمثل في إدراك تتابع بين حادثتين وتلازمهما تلازما متكرراً، و أننا نتيجة تكرار هذا التلازم أدت إلى أن تنشأ في عقولنا عادة هذا الإرتباط ، ومن ثم فإن فكرتنا عن العلية إنما ترجع إلى العادة النفسية التي تزودنا بالإعتقاد في تصور العلية ، وبهذا رفض جميع المبادئ الميتافيزيقية ، وعليه فإن مبدأ العلية عند هيوم إرتبط بالعادة ، لأن تكرار الحادثة يولد في الإنسان ما يسمى بالطبع .