Abstract:
نستطيع القول انطلاقا مما كشفنا عنه في هذه الدراسة أن الفلسفة السياسية تعتبر مسألة في غاية الأهمية ، سواء تعلق الأمر بالموضوعات والإشكاليات التي تناولتها، أو الفلاسفة الذين اهتموا بها وبقضاياها وبعد أن بحثت في الفكر السياسي لفلسفة"جون جاك روسو"، يمكنني القول بان الرجل يحمل مشروعا فلسفيا متكاملا، خاصة في المجال السياسي، وهذا ما يدفعني إلى تسجيل أهم الاستنتاجات والملاحظات المتوصل إليها فــ"روسو" يعتبر من الفلاسفة الذين تغنوا بالإنسان الطبيعي بصوره، في صورة الإنسان الهانئ السعيد الذي لا يعرف القيود والحواجز ويتصرف بتلقائية وحرية، هذه الحالة الطبيعية التي عنها التي تعتبر أهم ركن من أركان نظريته السياسية والتي جعلها كأساس لإصلاح المجتمع المدني، فهو حتى وان قدم لنا نظرية سياسية مترابطة ومتناسقة حول حالة الأفراد الطبيعيين إلا أن الكثيرين يرون بأنه لم يقدم في ميدان السياسة سوى مجرد افتراضات واقتراحات ومع هذا فان الذي قدمه جون جاك روسو للإنسان هو الذي أدى فيما بعد إلى ظهور نظريات عامة تتعلق بالسياسة في جوانبها التطبيقية، فتنطلق نظرية جون جاك روسو السياسية من موقفه من العقد الذي عقد بين الحاكم ورعيته، أو ما يعرف بنظرية العقد الاجتماعي، وان كانت هاته الأخيرة معروفة قبل روسو إلا أن كانت له بصماته الخاصة فهو لم يكن مقلدا، ونظريته تختلف اختلافا جذريا عن كل ما ذهب إليه هوبز ولوك، ومن خلال ما تم عرضه نجد أن جون جاك روسو يخلص إلى نتيجة مفادها أن الناس بعد أن طغت عليهم الكثير من المساوئ في الحالة الطبيعية لجئوا إلى الاتفاق فيما بينهم للدخول في حالة تكون أكثر تنظيما وضمانا لحقوقهم الطبيعية التي كانت معرضة للانتهاك والسلب، فبموجب هذا الاتفاق حسب روسو، الأفراد يتخلون عن حقوقهم للإرادة العامة هذه الأخيرة التي تعتبر معصومة من الخطأ وأنها لا تريد إلا الصالح العام، فهي ليست أفراد معينين، وإنما تعبر عن إرادة الشعب، لان الشعب قد يخطئ في حين ان الإرادة العامة معصومة عن الخطأ.
كما عمل جون جاك روسو على تأصيل مفهوم الحرية و المساواة وهذا كله من اجل تأييد الحقوق والحريات الفردية لمحو الصورة التي أعطاها هوبز للحالة الطبيعية وكذلك تعديل فكرة لوك حول الملكية وبهذا فإن جون جاك روسو قدم تفسيرا مدنيا للسلطة السياسية للحد من السلطات المطلقة للملوك والرؤساء، وتبعا لموفقه من العقد ينفرد روسو بنظريته فيما يتعلق بالسيادة، فأفكار جون جاك روسو لها دور فعال في ولادة الثورة الفرنسية عام 1789 إذ أنها اعتنقت مذهب روسو في حصر السيادة بيد الشعب وحده كوحدة لها.
شخصيات مستقلة عن شخصية الأفراد المكونين لها، إضافة إلى أنها أخذت بمذهب القانون الطبيعي ليكون موجها، وقيدا على سيادة الشعب فأعلنت حقوق الإنسان الطبيعية لتلتزم القوانين الوضعية بها ولتكون هذه الحقوق، ولهذه الأفكار تأثير كبير في إعداد الثورة الفرنسية، فقد انتشرت هذه المبادئ التي دعا إليها روسو(فكرة الحقوق الطبيعية الديمقراطية) أقام على أساسها حق الشعب في الحرية و المساواة وحقه في السلطة والسيادة، كما كان لنظرية روسو السياسية حول فكرة الإرادة العامة أثر كبير على عدد من العلماء والمفكرين أمثال هيغل الذي رأى في أن الإرادة العامة تعبر عن روح الأمة الألمانية، وكذلك أدموند بيرك الذي رأى بأن الإرادة العامة تمثل الثقافة القومية والحياة المشتركة في المجتمع الانجليزي، وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن بعض مثل الولايات المتحدة الأمريكية قد أخذت الكثير من أفكار روسو خاصة الديمقراطية المباشرة والدعوة لعقد اجتماعات، عامة لمراقبة الحكومة وإعادة النظر في موظفي الحكومة والقوانين السائدة .
إلا أن هذه النظرية ورغم كلما قدمته واجهة بعض الانتقادات كان من أبرزها أن فكرة العقد الاجتماعي فكرة غير مؤسسة علميا و لا يمكن الاعتماد عليها في تفسير نشأة المجتمع المدني، لقيامها على افتراضات وهمية خاصة قانون الطبيعة وحالة الفطرة الأولى، في حين أن الواقع يثبت بأن الدولة ليست إلا تعبيرا عن طبيعة الإنسان الذي هو كائن اجتماعي بطبعه لهذا لا يمكن أن تكون نشأة الدولة اصطناعية كما ترى هذه النظرية وكذا فكرة العقد التي تعتبر أساس نشأة المجتمع المدني المنظم فكرة خيالية إذ ليس هناك ما يدل على صحتها ويقتضي التسليم بها، إضافة إلى التناقض الذي تقع فيه نتيجة عدم إمكان الحصول على رضا جميع الأفراد، بينما عنصر الرضا في هذه الفكرة ركن أساسي لا يتم العقد إلا بموجبه، وعلى الرغم من هذه الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية إلا أن هذا ينقص من تأثيراتها الكبيرة في مساهمتها في الفكر السياسي الأوروبي في كل من إنجلترا فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بذلك في ثورات هاته البلدان، وفي تطور وتقدم الحريات الفردية بها، إضافة إلى دورها الكبير من خلال دعمها المباشر لقضايا وحقوق الإنسان عبر العالم، مما يبرز بوضوح أهميتها البالغة والتي تجعل منها محل اهتمام العديد من الباحثين حيث كان لها الفضل في الترويج لمبادئ ونشأة المذهب الفردي .
وما يمكننا الإشارة إليه في الأخير هو أن جون جاك روسو قد وصل إلى أن الديمقراطية تشكل النظام الأفضل مقارنة بغيره دون أن يكون النظام المثالي، وبهذا نستطيع القول أن نظرية روسو السياسية متكاملة ومع أنها تشترك مع غيرها من النظريات إلا أنها تشكل مذهبا سياسيا منفردا.