تدويل القضية الجزائرية في هيئة الامم المتحدة 1962/1954

Abstract

من خلال دراستنا لموضوع تدويل القضية الجزائرية و ما مرت به من خطوات مختلفة عكست مجمل الوضع العالمي ونظرته إلى الثورة الجزائرية في مراحلها المتعددة يمكنني أن أسجّل مجموعة من النتائج تعتبر نقاطا مضيئة في مسيرة المعركة الدبلوماسية التي لم تُقل ضرورة عن معركة السلاح داخل حدود الوطن الجزائري. و نتيجة للعامل المشترك بين الدول الإفريقية و الأسيوية المجسدة في عنصر الإستعمار أدّى ذلك إلى مساندة هذه الدول للقضية الجزائرية، و ذلك للسماح للوفد الجزائري للمشاركة في مؤتمر باندونغ كعضو ملاحظ، بالرغم من أنّ هذا المؤتمر لا يضم إلاّ الدول المستقلة و المشاركة في هذا المؤتمر إكتسبت القضية الجزائرية الصبغة الدولية وأصبحت تشارك كعضو رسمي في جميع مؤتمرات الكتلة الأفروآسيوية، و ألمس من خلال دراستي لهذه المؤتمرات وجود حركة تضامنية أفروآسيوية واسعة مع القضية الجزائرية، خاصة بعد الإعتراف الرسمي بالحكومة المؤقتة سنة 1958، و بطبيعة الحال كانت لهذه المؤتمرات عدة قرارات نستطيع القول عنها أنّها خدمت القضية الجزائرية منها: ـ إدانة الإستعمار الفرنسي في الجزائر، و حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره و ضرورة إستقلال الجزائر، إضافة إلى المساعدات المادية و العسكرية، و بالرغم من أهمية هذه القرارات إلاّ أنّ البعض منها لم يُنفّذ لسبب أو لآخر و نجد أنّ بعضها الآخر طبق على أرض الواقع خاصة منها المساندة المطلقة للكتلة الأفروآسيوية في هيئة الأمم المتحدة، هذا الدعم فتح الطريق أمام الكتلة الشرقية و الفرنسية ممثلة في الحلف الأطلسي و المعسكر الشيوعي اللذان قدّما الدعم بمختلف أنواعه لجبهة التحرير الوطني من أجل إظهار عدالة القضية الجزائرية.

و نفس الدعم الذي فتح أمام الأمم المتحدة التي وجهت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة الصادرة من طرف 14 دولة شاركت في مؤتمر باندونغ مطالبين بتسجيل القضية الجزائرية في الدورة العاشرة العادية للجمعية العامة، و كانت نتيجة هذه الدورة أنْ سجلت في جدول أعمال الجمعية، و بعد معرفة الوفد الفرنسي للنتيجة إنسحب محتجا من الجلسة أمّا الدورتين الحادية عشر و الثانية عشر فلم تناقش فيها القضية الجزائرية ببعدها السياسي و القانوني ( الحق في تقرير المصير ) بل ببعدها الإنساني ( المعاناة و الخسائر البشرية ). و أعرب جميع المشاركين بالإجماع عن أملهم في إيجاد حل سلمي ديمقراطي للقضية الجزائرية، إذن فالأمم المتحدة لم تقم بواجبها كاملا بل إكتفت بالتأكيد على المبادئ و لكنها أجمعت على تحمل مسؤولياتها الكاملة في إدانة السياسة الإستعمارية الفرنسية المتوحشة. أمّا الدورتين الثالثة عشر و الرابعة عشر فقد أكّدتا على ضرورة التفاوض بين الطرفين على أساس حق الشعوب في تقرير مصيرها بما في ذلك وقف اطلاق النار، لكن هاتين الدورتين و رغم إجماع الدول في الجلستين على التفاوض إلا أنّ المناورات التي كانت تقوم بها فرنسا في هيئة الأمم بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على بعض الدول للإمتناع عن التصويت لصالح القضية الجزائرية أدّى إلى تأخير التفاوض بسبب عدم إحترام فرنسا لقرارات هيئة الامم المتحدة، و إختراقها للشرعية الدولية، ذلك لأنّها كانت مدعمه من قبل الحلف الاطلسي من جهة و الولايات المتحدة صاحبة القرار من جهة أخرى، و نتيجة لضعف الكتلة الأفروآسيوية في هيئة الأمم كان لابدّ من وجود دورات أخرى تطرح فيها القضية الجزائرية و كان ذلك في الدورتين الخامسة عشر و السادسة عشر أين صادقت الأمم المتحدة على حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره بطريقة عادلة و إحترام الوحدة الترابية للجزائر، و ضرورة مواصلة المفاوضات بين الطرفين.

و أخيرا إنتهت دورات الأمم المتحدة التي إمتدت من 1955 إلى 1961 بضرورة إستقلال الجزائر و إحترام سيادتها. نستنتج في الأخير أنّ هيئة الأمم لم تعط الصبغة الرسمية و الشرعية للقضية الجزائرية في بادئ الأمر، لكن نتيجة لضغط الكتلة الأفروآسيوية و زيادة التعاطف في أوساط الرأي العام العالمي كان لزاما عليها دراسة القضية بصيغة أكثر جدية، لأنّها أصبحت قضية تهدد الأمن و السلام الدوليين، كما كانت خطر على العلاقات الدولية في العالم و نتيجة لذلك إعترفت الأمم المتحدة بعدالة القضية، و شرعية الحكومة الجزائرية المؤقتة و إستطاعت المشاركة في إنهاء الصراع بين فرنسا و الجزائر.