Abstract:
تمثل مسيرة مصالي الحاج النضالية جزءا لا يتجزأ من تراثنا الفكري و التاريخي، إذ يمكننا أن نستنتج من خلال مسيرة الرجل أنّ نضاله كان يصب أساسا في مجرى الإعداد لعمل إستراتيجي أُسسه الثورة، و من خلال مسيرته النضالية أيضا يمكن أن نستخلص العديد من الدروس أهمها:
1 ـ أدبيات النضال السياسي المنظم و الناجع، و ضرورة الصمود في وجه القمع الإستعماري الذي كلما إشتدّ زاد قوة الصمود و الإصرار من أجل إفتكاك الحرية و الإستقلال، كل ذلك كان من خلال سلسلة من الأحزاب الجريئة التي سمحت بظهور نخبة سياسية، لولاها لما إستقلت الجزائر.
2 ـ برنامج ثوري هدفه تحرير الجزائر في ظل نظام ديمقراطي.
و لذلك يمكن القول أنّ ثورة الفاتح من نوفمبر كانت تتويجا لعمل شاق يُعدّ مصالي الحاج في طليعته بفضل أفكاره الوطنية و مواقفه الثورية، و توضيحاته التي جعلت منه رمزًا لفكرة الإستقلال و الثورة ضد الإحتلال الفرنسي.
إنّ مصالي الحاج يمثل بحق أحد الرموز البارزة للوطنية الثورية في مرحلة التحرر الوطني، و رجعية يمكن الإنظلاق منها، و تثمين تجربتها في مسيرة البناء الوطني في ظل الديمقراطية، و يمكن القول أنّ جيل مصالي الحاج إكتشف رسالته التاريخية في التحرر الوطني تاركا بذلك وصية و نموذج للأجيال القادمة لتتمكن من حمل الأمانة و إتمام مسيرة البناء أسوة بما كانت تحمله قضية التحرر لدى مصالي الحاج و جيله.
و مهما كان حكم التاريخ فإنّ مصالي الحاج سيظل رائد الوطنية الثورية في الجزائر و ستبقى تضحياته في سبيل تحريرها شاهدًا و شفيعا أمام من رموه بالخيانة، و إنّ كان من بين هؤلاء من أراد رد الإعتبار له من خلال إعترافاتهم، كإعتراف محمد بوضياف للشيخ حسين بن ميلي عن مدى الخسارة التي أُلحقت بالثورة و الجزائر بعد أن تمّ التخلص من زعامة مصالي الحاج بكل الطرق، الأمر الذي لم يؤد إلى حل المشاكل بل زادها تعقيدًا.
إعتراف أحمد بن بلة بمكانة مصالي الحاج؛ حيث كتب في مقدمة مذكرات مصالي الحاج التي صدرت سنة 1980 يقول: « ما أكتبه هنا هو شهادة و إقرار يمليه عليّ ضميري، إنّ هذه الشهادة نتيجة لشعورٍ ألحّ عليّ منذ مدة طويلة، خلال ذلك الليل الطويل الذي قضيته في السجن في هذا الصمت الطويل من مواجهة ضميري بعيدًا عن ضوضاء الحياة و رنين الكلمات، أقنعتني نفسي بأنّه يجب عليّ أنْ أؤدي هذه الشهادة، كلما إستعدت مسيرة حياتي أجد ذكرى " مصالي الحاج " تفرض نفسها عليّ، لذلك قررت أن أنصفه و أؤدي حقه و أردّ له إعتباره ... إنّ حياتي المملوءة بالأحداث و إنّي أدين بكثير منها للقائي بهذا الرجل العظيم، لقد أتيحت لي هذه الفرصة عندما إستعدت حريتي و إستطعت أن أعود إلى تلمسان و أنْ أزور قبر مصالي الحاج في عام 1980، و ذلك في شهر نوفمبر الذي كان شهرًا فاصلاً في مصير بلادنا و شعبنا، إنّ ضوضاء الحياة و رنين الكلمات هي بلا شك كانت في وقت ما هي التي أبعدتني عن ذلك الرجل حتى وصلت إلى مواجهته، الحقيقة أنّ مصالي الحاج إنّما يمثّل بلدًا و شعبًا و أكثر من ذلك يمثل النواة التي أنشأت الحركة الوطنية التي بدأها في عام 1926 في فرنسا ثمّ نقلها إلى أرض الجزائر عام 1937، و إنّ مصالي الحاج بالنسبة لجميع الجزائريين هو سيدي الحاج بالنسبة لنا نحن أعضاء حزب الشعب الجزائري كان له الدور الأكبر في مصيرنا، إنّ هذه تحية يستحقها من شعبنا و من خلاله لابد أن نعترف بها شعوب أخرى كثيرة في يوم من الأيام ».