Abstract:
مما سبق عرضه نستنتج أن السیاسة الأهلیة الفرنسیة بالجزائر كانت عبارة عن
برنامج مسطر، تضمن عدة نقاط هدفت في مجملها إلى إلغاء الشخصیة الوطنیة للجزائریین
وتغییبهم في غیاهب الجهل والتخلف، وذلك للسیطرة الكاملة وبدون منازع على خیرات
الجزائر، وبلغت هذه السیاسة ذروتها في العهد المدني .
من بین النقاط التي ارتكزت علیها هذه السیاسة هي عدم منح الجزائریین أي تمثیل
سیاسي قد یمكنهم من استغلاله لتحسین أوضاعهم، لذلك عملت السلطة الفر نسیة على
تشجیع الهجرة الأوروبیة، ومنحت الجنسیة الفرنسیة لغالبیة المهاجرین والیهود أیضا، وهذا
لزیادة العنصر الأوروبي داخل المجتمع الجزائري والعمل على تقویة التمثیل السیاسي لهم
وفي المقابل منع الجزائریون من أي تمثیل ماعدا بعض المعینین الذین لم تتجاوز نسبتهم
الربع في هذه المرحلة، مع ضمان أنهم إلى جانب المحتل وسیاسته ومشاریعه .
ولتمكین لهؤلاء المحتلین قامت سلطات الإحتلال بمصادرة أراضي الجزائریین عن
طریق عدة قوانین كقانون وارني 1873 وقانون 1887 ،... سعت كلها إلى تفتیت أراضي
العرش التي كانت رمز تماسك المجتمع الجزائر ي وصبغها بالصبغة الفرنسیة لیسهل انتقالها
إلى الأوروبیین، هذا إلى جانب فرض الضرائب المجحفة مما زاد في فقر وبؤس الجزائریین
لیضطروا إلى بیع أراضیهم وبأبخس الأثمان .
یضاف إلى هذا أن سلطات الإحتلال سعت إلى تفكیك المجتمع الجزائري وبشتى
الوسائل، فاستهداف أراضي العرش لم یكن لها غایة اقتصادیة فقط، وإ نما كان له أبعاد
وغایات إجتماعیة، فضرب أملاك العرش یعني تفتیت المجتمع وضرب نقطة القوة لدیه وهي التكافل والتعاون التي كانت سائدة ضمن هذه المؤسسة الإجتماعیة، وقد زادت الضرائب
المجحفة وبعض القوانین الإستثنائیة من معاناة الجزائریین وجعلتهم یتخبطون في مشاكل
إجتماعیة لا حصر لها، ولزیادة تشتیت المجتمع ظهرت عدة دراسات اجتماعیة تؤكد جمیعها
على الإختلافات العرقیة للجزائریین و أنهم عبارة عن خلیط من الشعوب، وهذا كله لإضعاف
المجتمع الجزائري وبالتالي غرس نظام جدید یكون الأوروبیون فیه هم الأسیاد.
من النقاط الأساسیة التي ركزت علیها السلطات الفرنسیة في سیاستها الأهلیة : العمل
على ضر ب اللغة العربیة والدین الإسلامي، فعملت على نشر التعلیم الفرنسي ومحاربة
التعلیم العربي، في حین لم یكن الهدف من التعلیم الذي حر صت على نشره تثقیف الجزائریین
وإ نما كان الهدف وبوضوح : خلق فئة موالیة لفرنسا، ونشر اللغة الفرنسیة ( لغة التعامل )
بین الجزائریین، كما فتحت المجال التام للمبشرین الذین استغلوا الظروف القاسیة للجزائریین
للتبشیر بتعالیم الدین المسیحي .
رغم هذه السیاسة المنظمة والمدروسة من طرف المحتل ضد الشعب الجزائري
والرامیة إلى استعباده وطمس هویته وشخصیته الوطنیة، إلا أنه بقي صامدا في وجه شتى
المحاولات، بل كان انسجامیا مع مختلف الظروف ولم یصل في مواجهته للمحتل إلى درجة
الیأس، ولم یعرف حالة الإستسلام التام أبدا، وإ نما كان دائما في حالة مواجهة وفي بحث
مستمر عن الأسلوب الذي یدحض به العدو، فتعددت أشكال المقاومة لدیه مابین الثورات
الشعبیة والتي وإ ن افتقرت للوحدة الزمانیة والمكانیة إلا أنها كانت متواصلة فما إن تنطفأ
المقاومة في منطقة حتى تندلع في أخرى معبرة عن رفض الجزائري لكل أشكال الإستغلال