Abstract:
من خلال ما تم تسجيله في هذه المذكرة الموسومة ب : البعد الفلسفي في نظرية الثقافة لمالك بن نبي . فقد عرفنا بأن المنظومة الثقافية لمالك بن نبي تتشكل من أربعة فصول ؛ ربيعا وصيفا وشتاء وخريفا .. على وزن ؛ أخلاقا وجمالا وعملا وصناعة .. ونقطة مركزيتها الفكرة الدينية الصائبة والحية والفاعلة . وفصول نظريته كالتالي :
1= التوجه الأخلاقي :والهدف منه ربط الصلات الاجتماعية ، لمجتمع متماسك ومترابط ينشد الخير ، ويرفض كل سبل الشر صغيره قبل كبيره . متمسكا وداعيا لنشر الفضيلة والسلوك الطيب والحميد على أرض الواقع بمنهج تربوي رشيد وفعال ، دون أن يحمل الهم الحضاري على مستوى الوهم والخيال .
2= المبدأ الجمالي : والهدف منه تكوين الذوق السليم ، وقبله وهو العنصر الغائب عندنا نحن جموع العرب والمسلمين ، ثقافة الجمال في أبسط أبجدياتها ، وما أجمل أن ندعو إلى مبدإ البساطة فهي الطريق الأسلم لإشعاعها . حتى تبدو النظرة الجمالية على الجميع دون إظهار للفروق الفردية ، التي إن وجدت فوجودها لحكمة ، لكن النظرة الجميلة تكسوا بظلالها الجميع إذا تم ربطها باستحضار المشهد الثقافي وهو غايتنا في هذه الرسالة
3= المنطق العملي : والهدف منه أن نتأكد قناعة بأنه لا ينقصنا التنظير والتحليل _ وإن كانت بضاعتنا الفكرية فيها تمايز بين من أعطاها كل اهتماماته ، ومن جعلها في أذيل اهتماماته ، حتى وإن لقب بالمثقف أو نال حظا من درجة الأستاذية _ وإنما
الذي ينقصنا هو العمل وإتقانه بشيء من الإبداع والفاعلية ، واستحضار رحمة القلوب فالمكان يسع الجميع ، والمكانة لمن قدم لها الغالي والنفيس ، بتأدب كامل
مع الله مانح التمييز والتفاضل والتشريف ، فاللهم رعايتك وسترك وتوفيقك وقبول أعمالنا وفيض رحماتك .
4= الجانب الصناعي والفن التطبيقي { واليومي } :
وهو اكتشاف بالنسبة لنا من خلال ربطه بما هو أعمق وأقرب من الفلسفة اليومي والهدف منه :
_أ احترام كل الفئات الصانعة كل في مجال تخصصه ، والإشادة بكيانهم ووجودهم وبأهميتهم فمن دونهم تتعطل سبل الحياة الكريمة على كل المستويات ..وإن كان هنا مثال تقتضيه الضرورة والأولوية ، فعمال النظافة الذين نكرمهم في العالم الأزرق الافتراضي بمهندسي النظافة ، وسادة حماية البيئة تسمية وتشريفا واعترافا بدورهم السامي والحضاري ، وعلى أرض الواقع هم في أذيل المراتب المادية ، وبألقابهم المتقاطعة مع لقبي القديم – زبلي – بتسميتهم السوقية منظفي الزبالة ، ومن دونهم لن يستطيع الطالب الدخول إلى الجامعة ، لأنه لن يجد مكانا نظيفا
يقض فيه حاجاته البيولوجية ، ولقد آلمني صورة دورات المياه عندنا وكـأننا في غابة وحوش لا علاقة لها بعالم الإنسانية ولا عالم المدنية ولا الحضارة ولا حتى ما يدعو
له ديننا طهارة في أبسط أبجدياتها، وكم مرة تمنيت لو يحدث شيئا من الطوارئ حتى يشاركوننا أساتذتنا وإداريوننا ومسؤولينا هذا المكان الجميل ، فما عساهم القول ؟ ، دون الحديث عن إهمال ركن الصلاة ، وإن كنا جميعا له مهملين فعلى الأقل يكون فيما بيننا تنافس في مظهريتها وشكلها ...
والعبرة هنا أهمية الصنعة التي تستر حالنا ومن دونهم تفتضح عوراتنا.. وكان على الطالب المتعلم بدرجة عامة والطالب المثقف بدرجة خاصة ، أن يكون القدوة لغيره في احترام نفسه باحترام محيطه ، جاعلا من كل مكان ركنا من أركان بيته ..
وقد ذكرنا فيما سبق قولا فاصلا لمالك بن نبي حول النظرة الجمالية :
( الجمال هو وجه الوطن في العالم ، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا .)
-ب إدراج الفلسفة من خلال يومياتنا بكل تفاصيلها ، بما فيها الفترات التي تضعف أنفسنا وما أكثرها ، أو التي يتغير فيها مزاجنا ، وكل ما يعبر عنها حقيقة ، والحقيقة موجودة في ذواتنا ومن الداخل لا تخفى على عاقل .
ونزول ما استعلى في حقها_ في حق الفلسفة _ من خلال منظريها التقليديين، لنفتح أعيننا على كل الطبقات الشعبية ، والاقتراب من اهتماماتهم والاستفادة من خبراتهم
وخيراتهم ، ممتنين لعطاءاتهم وإبداعاتهم للتحلي بالسلوك اليومي الهادف والمثمر الذي حقيقة يحمل شيئا من الأبعاد الفلسفية والفكر والعلم والثقافة .
ــــ ج ـــ لا سياسة ولا دين ولا ممارسات اجتماعية وتعليمية وتربوية وتثقيفية بدون الاهتمام بالنشاط الاقتصادي ، الذي به تحقق كل أحلام الشعوب .
هذا على مستوى النظرية الثقافية لمالك بن نبي ..
أما على مستوى تقاطعها مع البعد الفلسفي ، فكما هو ملاحظ فقد استدعيت ترسانة من المقاييس من فلسفة الأخلاق وفلسفة الجمال وفلسفة العمل وفلسفة الصناعة ، وفلسفة اليومي ..
المتقاطعة مع نظرية الثقافة لمالك بن نبي والتي فرضت علينا من
خلال مشهدها الثقافي أن نستدعي أقساما أخرى للفلسفة : من فلسفة الدين
والحجاج وشيئا من المنطق وفلسفة التاريخ ، وفلسفة السياسة ، وفلسفة التربية ، وفلسفة العلوم .. وكانت لنا الشجاعة في اقتحام ملعب النقد فيما وجدناه أو فيما أشرنا له ، حتى نخرج من التقديس ونتعلم ثقافة أن نقول ما نشعر به ولو من باب حق التعبير ، فقد يترتب على ذلك سطرا أو كلمة قد ترفع إلى سماء القبول، لتنزل على أرضنا بركة ونورا ومددا تتواصل الأجيال في ترسيخه، والبناء الرشيد في أفق الحياة بكل تجاذباتها ..وهدفنا هنا إجمالا : هو التأكيد على اندماج المشهد الفلسفي بالمشهد الثقافي ، وأن الجميع ينشد الثقافة كواجهة وكخلفية والأهم كإطار فكري يستمد منها الجميع التنظير والفاعلية .
وفي الأخير إذا أعطي لي حق الاختيار فيما سجلت ، فإن الذي علق فيما تم التوصل له وتسطيره على أرض هذه المذكرة المباركة ؛
كلمة مالك بن نبي التي رسخت وأحدثت مايشبه الزلزال في كل ما قرأته في مسيرتي قوله :(فالفكرة الصادقة ليست دائما فعالة ، والفكرة الفعالة ليست دائما صادقة ؛ الفكرة هي صحيحة أو باطلة ، ولكن هذه الفكرة رغم صحتها قد تفقد فاعليتها
، وقد تظل فترة طويلة كامنة في عالم اللافاعلية رغم وجودها ، حتى يأتي زمان تخرج إلى الفاعلية..)
ومن الأقوال التي نكررها كثيرا في حق أبي حامد الغزالي شهادته : طلبنا العلم لغير الله ، فأبى العلم أن يكون إلا لله .فكذالك نحن بدأنا رسالتنا هذه وعيننا على إتمامها من أجل الحصول على الشهادة ، فأبت الشهادة أن تكون إلا أن نعطي للعلم حرمته ، وأن يكون فكر مالك بن نبي واحدا من أولوياتنا واهتماماتنا .
ومن الحكم الجميلة لجلال الدين الرومي :
الحياة هي كما لو أن ملكا أرسل شخصا إلى بلاد لكي ينجز مهمة .. يذهب الشخص وينجز مئات الأشياء ، ولكن إذا لم ينجز ما طلب منه ، فكأنما لم يفعل شيئا.
وعلى افتراض أننا أنجزنا المهمة ، فالحقيقة والحق يقال ، أننا لم نلامس عمق النظرية الثقافية لمالك بن نبي ، فكل ما فعلناه حاولنا ملامستها على مستوى السطح ، وهذا الاحتكاك البسيط ببركتها ، فتح لنا آفاقا في المشهد البنبي والمشهد الفلسفي والمشهد الثقافي والمشهد الفكري.. والمشهد العلمي الذي ندعي بأننا نحبه ونحترمه ، وسرعان ما نعود إلى غفلتنا وحماقتنا في تبديد الأوقات بعالم التفاهة وعالم التمظهر وعالم البطولات الوهمية على الأراضي الافتراضية ، التي تنخر من صحتنا ومن جسمنا ومن خلايانا ومن طاقتنا وإبداعاتنا ..
وأهم سؤال يطرح في الختام ، إلى أين وصلت النظرية الثقافية لمالك بن نبي ؟
ومن خلال الحوار الذي أجري مع الباحثة سمية غربي بالسؤال التالي : إلى أين وصلت نظرية الثقافة عند مالك بن نبي ؟ تجيبنا بالقول : ومع ذلك بقيت هذه النظرية بعد غياب ابن نبي على حالها ، ولم تشهد تطورا وتقدما وتراكما وتجددا
مهما ؛ لا من الناحية المعرفية و المنهجية ، ولا من الناحية التحليلية والنقدية ،وانتهت إلى وضع جامد وما زالت على هذا الحال من دون تحريك أو تجديد ،
والذي كرس هذا الوضع الجامد طريقة التعاطي الذي لم يكن فعالا من الناحية
النقدية ، أو معرفيا من الناحية التحليلية .