الخلاصة:
لطالما على الإسلام الحنيف بتأطير العلاقات بين الناس على أسس من المثل العليا والأخلاق الفاضلة، بالقول والفعل، وحتى بالرمز، بالقول مثلما حثت الآية الكريمة في قوله تعالى : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حسنا ..... ) الآية 82 من سورة البقرة، وبالفعل في حديث لقمان الحكيم لابنه وهو يعضه حكمة بالغة في قوله تعالى : ( وَلَا تُصَغِرْ حَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا تُحِبُّ كُلِّ مُخْتَالٍ فخُورٍ وَأَقْصد في مشبك وأغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِن أنكر الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحمير ( ) الآيتين 17 و 18 من سورة لقمان، وبالرمز كقوله صلى الله عليه وسلم في حثه على الخلق الفاضل: وابتسامتك في وجه أخيك صدقة، وهو ما يجمعه حديثه صلى الله عليه وسلم في العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم: "إن مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري ومسلم. وعلى العموم فإن الدين المعاملة كما حث على ذلك رسول البشرية عليه أفضل الصلاة والسلام فالمعاملة الطيبة تتعدى الوالدين والزوجة والأبناء، وزمرة الأصدقاء، إلى غيرهم من الناس، فالإنسان معني بتكوين علاقات اجتماعية هو مجبول عليها في حله وترحاله، فطبعه الاجتماعي ينزع به إلى التعامل مع الناس وتكوين شبكة علاقات معهم، يقتضيها الدين والمصلحة معا، فيتعاون، وينصح، ويتقبل التوجيه ويقبل المعونة في جو من التقدير والاحترام الذين تدعو إليهما فطرة الإنسان السليمة. لكن الإنسان وبابتعاده عن الفطرة التي فطر عليها وباستغلاله لأخيه الإنسان، استغرقه ذلك العديد من القرون حتى يكتشف أن ما أمرت به الأديان حقيقة وضرورة، فبعد جهد جهيد وعديد التجارب والممارسات التي عاشها، لم تظهر أهمية العنصر البشري بشكل واضح في الإدارة إلا في القرن العشرين بسبب التطور في بنى الاقتصاد والإدارة نتيجة الثورة الصناعية وظهور مدرسة العلاقات الإنسانية بعد أن نظرت مدرسة الإدارة العلمية إلى العامل في المنظمة على أنه أحد عناصر الإنتاج، وأنه كأحد تروس ماكيناتها، والتي وقودها الأجور والحوافز" ليس إلا، حتى جاءت مدرسة العلاقات الإنسانية كرد فعل للأفكار البالية التي لطالما نادت بها مدرسة الإدارة العلمية.
كما جاءت نتيجة لتجارب علمية على بعض موظفي شركة وسترن الكتريك حيث يمكن تلخيص الأفكار الرئيسة لمدرسة العلاقات الإنسانية فيما يلي :
- المنظمات كائن اجتماعي لأن الأفراد الذين يشكلون المنظمة لديهم احتياجات اجتماعية. - يشعر الناس بالسعادة والأهمية من خلال علاقات ودية طيبة مع الآخرين، مما يؤدي إلى كفاءة أعلى
- أن التخصص وتقسيم العمل والإجراءات تؤدي إلى آلية وروتينية العمل مما يؤدي إلى السأم والملل
- علاقات التعاون والود الاجتماعي أهم من أنظمة الرقابة وأنظمة الحوافز
- من الأفضل للمنظمة أن تأخذ العوامل السابقة في تصميم التنظيم لكي يكون تنظيما اجتماعيا منتجا . وبذلك نجحت مدرسة العلاقات الإنسانية في تشخيص وتحليل عوامل ومتغيرات جديدة مؤثرة على سلوك الفرد في المنظمة، ولقد أثبتت الدراسات الميدانية والعملية أهمية تلك المتغيرات في دراسة السلوك الإنساني والعملية الإدارية، ولكنها رغم ذلك واجهت انتقادات عديدة. إن إقامة علاقة جيدة بين العاملين ورؤسائهم، بحيث تقوم هذه العلاقة على أساس المودة، والمهارة والثقة، ومن ثم يكون التعاون والتكاتف، والمشاركة في اتخاذ القرارات، والالتزام بتحقيق الأهداف، وبالتالي الشعور بالراحة النفسية التي مردها إلى الإحساس بالرضا عن كل ما يقدمه العمل ومحيط العمل، والإيمان بالمجموعة وقوتها والشعور بالمسؤولية والرقابة الذاتية، مما يساعد على تحقيق مستوى رفيع من الإنتاج. وهكذا يتبلور مفهوم العلاقات الإنسانية في الاهتمام بالعنصر البشرى، أي بالفرد والجماعة، وتوفير أفضل مناخ ممكن للعمل بحيث تتوفر الروح المعنوية العالية، وتتحقق فاعلية الأداء في ظل أفضل مناخ إنساني ملائم لاستثمار الجهود والكشف عن أفضل الطاقات، وكل ما تقدم يحدد الإطار المناسب للعلاقات الإنسانية في المنظمة وعلاقتها برضا العاملين، بحيث تستطيع في النهاية تحقيق أهدافها المطلوبة عن طريق تحسين العلاقات بين هؤلاء العاملين وبالتالي التأثير على معنوياتهم وتنمية قدراتهم وتحسين أدائهم، حيث تعتمد العلاقات الإنسانية الجيدة على شعور الأفراد العاملين نحو بعضهم البعض وشعورهم نحو رؤساتهم نحو العمل نفسه، حيث يتحدد مستوى كفاءة الأداء لأية منظمة على نوعية العلاقات السائدة فيها .