الخلاصة:
يعد عجز الموازنة المشكلة الاقتصادية المحورية لمعظم دول العالم لما له من آثار مباشرة على أداء النشاط الاقتصادي، خاصة في السنوات الأخيرة بعد اتجاه العجز إلى التزايد في مختلف دول العالم، مما جعلها تهتم كثيرا في البحث عن الوسائل الكفيلة لتمويل وعلاج هذا العجز بأقل تكلفة وضرر ممكن أو التخفيض من حدته. ويعتبر ترشيد الإنفاق الحكومي أحد أبرز المسائل المرتبطة بالموازنة العامة والتي تكتسب أهمية كبرى، خاصة مع تعدد وظائف الدولة وإطراد الزيادة في حاجات الأفراد وانخفاض الإيرادات العامة وعدم قدرتها على تغطية النفقات العامة، بالإضافة الى عدم الاستقرار المالي والاقتصادي العالمي وما يترتب عنه من أزمات اقتصادية.
وقد جاءت هذه الدراسة لمعالجة الإشكالية المتعلقة بالدور الذي يؤديه ترشيد الانفاق الحكومي في علاج عجز الموازنة العامة للدولة في ظل الأزمات الاقتصادية من خلال تسليط الضوء على دراسة حالة الجزائر خلال الفترة الممتدة من (2007-2016). وتناولت هذه الدراسة الجوانب النظرية والمفاهيم الأساسية لكل من عجز الموازنة العامة وترشيد الإنفاق الحكومي وكذا الأزمات الاقتصادية، وفي الأخير عمدت إلى توضيح دور سياسة ترشيد الإنفاق الحكومي في علاج العجز الموازني والتخفيف من حدته في الأزمات الاقتصادية من خلال التركيز على أزمة الرهن العقاري 2008، وأزمة انهيار أسعار النفط منذ منتصف سنة 2014.
وقد توصلت الدراسة إلى أن الاقتصاد الجزائري يواجه العديد من التحديات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ويأتي على رأس هذه التحديات والصعوبات مشكلة العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة. حيث أن عجز الموازنة أصبح سمة هيكلية لصيقة بخصائص الهيكل الاقتصادي، نتيجة لارتباط الاقتصاد الجزائري بأداء قطاع المحروقات في أسواق الطاقة الدولية الأمر الذي يجعله عرضة لأزمات وصدمات دورية خارجية. وقد انتهجت الجزائر للتصدي لتداعيات أزمة الرهن العقاري سياسة إنفاقية توسعية لتمويل برامجها التنموية، التي شرعت في تجسيدها منذ مطلع الألفية الثالثة نتيجة لتحقيقها لفوائض مالية معتبرة بسبب ارتفاع أسعار النفط في أسواق الطاقة الدولية منذ منتصف عام 1999، بينما شرعت الجزائر على إثر أزمة انهيار أسعار النفط (منتصف عام 2014) في تطبيق مجموعة من التدابير والسياسات لترشيد نفقاتها العامة منذ عام 2016، بغرض علاج عجز الموازنة والتخفيف من حدته، وقد كان لترشيد الإنفاق الحكومي دور فعال في علاج العجز الموازني من خلال مساهمته في تخفيضه، إلا أنه يلاحظ أن ترشيد الإنفاق الحكومي في الجزائر لايزال هدفا نظريا في سياسات الإنفاق الحكومي مثلها مثل العديد من الدول النامية، كون أنها لم تصل به بعد إلى تطبيقاته بالشكل والكيفية الصحيحة والمرضية. نتيجة لعدة عوائق ومحددات تحول دون ذلك. لذلك يجب العمل على القضاء أو التقليل من هذه العوائق مما يضمن تعبيد الطريق الصحيح نحو ترشيد أمثل للموارد المالية والاقتصادية.
ولتحقيق كفاءة أكثر لمالية واقتصاد الدولة وإدارة مواردها بفعالية، وأيضا من أجل استخدام موازنة أكثر شفافية تحقق مشاركة أكثر للجمهور، تقترح هذه الدراسة التحول في إعداد الموازنة العامة في الجزائر تدريجيا من موازنة البنود نحو تطبيق موازنة البرامج والأداء على مستوى الموازنة العامة للدولة، وتطبيق الموازنة التشاركية على مستوى موازنة الجمعات المحلية (البلديات).