الخلاصة:
شكلت القناعة بما ينطوي عليه الخيال من فعالية كبيرة مناط اهتمام الفلاسفة و البلاغيين و النقاد و إسهام في حل الكثير من المشكلات الأدبية القديمة و الحديثة. و لما كانت اللغة هي الأداة التعبيرية التي تتجسد من خلالها المعاني، و يتواصل بها الأفراد و الشعوب، كانت أيضا وسيلة يبتغى من وراءها دمج الواقع في اللاواقع، من خلال جمع و تركيب العناصر المتباينة في علاقات جديدة و مبتكرة، تعطي مجالا أوسع للشاعر ليتحـرر- و لو بقدر محدود- من قيود عالم الحس و حتميته.
بيد أن العناية بالخيال بوصفه وسيلة تسهم في النهوض بعملية الإبداع و تطويرها، قد حصرت في أغلب الأحيان ضمن حدود التشبيه و الاستعارة، و هو ما يبخس هذه الآلية حقها و قيمتها، و يقلص من دورها في العملية الإبداعية. فالحديث عن الخيال و التخييل و دورهما في صناعة العمل الشعري بمختلف جوانبه يظل مجالا مفتوحا لتقديم الإضافة.
يتركز عمل الخيال في البحث عن التشكيل الجديد من خلال الجمع بين العناصر
المختلفة- قد لا يظهر بينها جامع منطقي- في شكل من الانسجام و التناسب، باعتبار الصورة الشعرية ليست نسخا للواقع، أو استحضارا لأشياء سبق إدراكها عبر المعطى الحسي، و إنما تمثل هذه المعطيات أساسا ينطلق منه الشاعر في بعث الجمال في الصور المنشأة، و جعلها أكثر جدة، و قدرة على التأثير في المتلقي بغية دفعه إلى إتخاذ وقفة سلوكية، تعكس موقفه من العمل الإبداعي، سواء أكانت الاستجابة الناتجة بالبسط أو القبض.