الخلاصة:
اللغة في شكلها العام هي ذلك النظام المودع في أدمغة الناطقين بها، أو هي مجموع كلي لكلمات ركبت بصورة خاصة واقترن بعضها ببعض على نحو معين، وإذا كانت اللغة تعيش في أذهان أبنائها على شكل أنظمة وقوانين فإن نطق أصحابها بها هو الذي يحقق وجودها المادي ومن هنا تبين أن لها مظهران: مظهر ذهني يتم فيه الربط بين الدال والمدلول، وآخر مادي وهو تلك الصورة النطقية التي تصدر عن جهاز النطق في الإنسان، وتنتقل عبر الوسط الناقل على شكل ذبذبات صوتية إلى أذن السامع فيدركها ويفهم مدلولها.
ويظهر هذا الترتيب لمن يتتبع مستويات اللغة، أي أننا لا يمكن أن ندرك اللغة أو نفهم مدلولاتها إلا إذا حدث هذا التحول من المظهر الذهني المجرد، إلى المظهر الحسي المادي، والذي يمكن أن يخرج اللغة من حيز الكتمان إلى حيز التصريح هو الصوت، فهو السبيل الوحيد والخطوة الأولى التي تعزى إليها مهمة فهم اللغة وإدراك محتوياتها.
ولقد كان لهذا المستوى حظا وافرا من الدراسة عند القدماء والمحدثين فؤلف فيه زخما هائلا من الكتب سواء باعتباره مقدمة لدراسة المستويات الأخرى، أو بالنظر إليه كعلم قائم بذاته بشقيه : الفونتيك والفونولوجيا. وإذا كان أول ما يظهر من اللغة هو الصوت، فإنه ــــ وبالضرورة ــــ أول ما يدرس منها هو الصوت، ومن هنا اتفق الدارسون على تباعد عصورهم واختلاف مناهجهم على تقسيم الأصوات اللغوية إلى صامتة وصائتة ليس في العربية فحسب بل حتى في اللغات الأخرى.