Abstract:
إن الثورة انقلاب مستمر للأحداث، وتوال متسارع لها! فالموقف "الحار" قد
لا يدوم طويلا، تلحظه "النفس الشاعرة" طرفة عين، فيرتسم في أغوارها فكرة
غامضة، ويعتمل في مسالك قرارتها مولدا سلاسل من التأملات والانبثاقات
المتلاحقة، تتزاحم فيها الصور تباعا. وعندما يتاح للتجربة أن تستكتب ذاتها،
وتخرج واقعها، تبدو الكتابة وقد اكتنزت "اللحظة" و حيثياتها ومشاعرها. فيتحقق
بذلك شرط الإبداع الصادق من جهة، وشرط نقاء التجربة من جهة أخرى.
إن فهم الموقف على هذه الصورة، يدفع ما رآه بعض النقاد من أن الشعر
الثوري، شعر خطابي سطحي، يخلو من حرارة الإبداع، ودفء الصناعة. وقد
وجدنا "صلاح خرفي" يدفع ذلك معتقدا أن الموقف لم يكن ليتيح للشاعر فرصة
المراجعة. فالشاعر يهتبل اللحظة العابرة ليسجل موقفا طارئا، لم تكتمل عناصره
وشروطه. ومن ثم يقف "صالح خرفي الشاعر" مترددا في اختيار المعيار الذي يزن
به قيمة شعره، فيقول:» وكم تجاذبني نظرتان: نظرة مثالية فنية تزهدني فيها
( مجموعته الشعرية)، إذ أعترف بأن أغلب قصائد المجموعة سجِّل تلبية للمناسبة
العابرة، وتحت إلحاحها القاسي. وربما برر هذه التلبية الفورية عندي، إيماني بأن
الثورة المشتعلة في حاجة إلى صوت يحمس لها، أكثر من حاجتها إلى نغمة "حالمة"
تتغنى بها. وكنت لا أستنكف أن أجد نفسي غير مرة في موقف خطيب لا شاعر، ما
دامت الثورة التي تلهمني، تجعلني كأني على صخرة من صخور الأطلس الشامخ
أهيب بالثائرين الأحرار. وإذا كان العمل الفني في حاجة إلى "هدأة"، فتلك التى لم
يكن في وسع الثورة المتجددة مع الدقائق والثواني أن توفرها لنا.