الخلاصة:
إن حماية الأمن البيئي من الحقوق الحديثة للمدنيين التي لم تنص عليها بصفة أساسية الإتفاقيات المتعلقة بحماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة، وإنما وردت تلك الحماية في نصوص غير مباشرة تضمنتها إتفاقيات ومعاهدات على النحو الذي سبق ذكره، غير أن التطور الهائل الذي لحق بوسائل القتال ونتج عنه تزايد الأضرار المدمرة للبيئة، هو ما دفع المجتمع الدولي إلى بذل الجهود من أجل استحداث قواعد للقضاء أو الحد من الأضرار التي تحدث للبيئة نتيجة النزاعات المسلحة.
كما أن الحرب تمارس عملا تخريبيا جوهريا على التنمية الدائمة، ولذلك يتعين على الدول أن تحترم القانون الدولي المتعلق بحماية البيئة في النزاع المسلح وتسهم في تطويره تبعا للضرورة، إذ أن المنطق يقضي بأن حماية السكان محكوم عليها بالفشل ما لم تعزز بحماية قوية للوسط البيئي الذي يعيشون فيه.
وحماية البيئة تعتبر جزءا لا يتجزأ من الوجود البشري، ولذلك تعد حمية البيئة الطبيعية أثناء النزاعات المسلحة حماية للوجود البشري، والقانون الدولي الإنساني لا يمنع الحرب ولكن من العدل أن تقر بوجود مجموعة من القواعد التعاقدية في القانون الدولي ألإنساني المتفق عليها في وقت الحرب تعطي حماية ضمنية وصريحة للبيئة، وكذلك وجود قواعد عرفية تحكم القانون الدولي الإنساني، الذي من الممكن أن تساعد على تطويره وخاصة في نطاق حماية البيئة الطبيعية.
ومع ذلك تظهر عدة مشاكل فيما يتعلق بحماية البيئة الإنسانية من خلال عدم وضوح وغموض النصوص المخصصة لحماية البيئة وعدم كفايتها من ناحية، وعدم إلتزام الدول باحترام هذه القواعد وخرقها من الدول غير المصدقة عليها والمصدقة عليها من ناحية أخرى.
وتمثل ممارسات الدول المصدقة على الإتفاقيات الدولية وسلوكياتها المادية على أرض المعركة خرقا لقواعد القانون الإنساني من خلال استخدام أسلحة فتاكة وغير تقليدية تؤدي إلى الإضرار بالبيئة.
ومن خلال دراسة موضوع حماية البيئة أثناء النزاع المسلح نستنتج:
1. أن قواعد القانون الدولي الإنساني غير كافية لتوفير الحماية للبيئة في وقت النزاع المسلح، وعليه يتعين تطبيق القواعد الإتفاقية والعرفية للقانون الدولي للبيئة، لأن القواعد تنطوي على كثير من الإلتزامات القانونية الدولية التي تستهدف حماية البيئة في وقت السلم.
2. إن القواعد القانونية المعمول بها وقت النزاع المسلح لحماية البيئة الطبيعية ليست عدم كفايتها بما تحتويه نصوص ومصطلحات غير واضحة ودقيقة، تؤدي إلى تعدد التفسيرات والتأويلات من أجل التملص من تطبيق الإتفاقيات بشأن حماية البيئة، وما يترتب على ذلك من ضعف آلية تطبيق هذه القواعد.
3. إن الدول ملزمة بالمحافظة على البيئة بشكل عام، بغض النظر عن وضعها الجغرافي أو نظامها التي تخضع له، وهذا الإلتزام منصوص عليه أيضا في الإتفاقيات التعاقدية والإتفاقيات غير التعاقدية، وقد صرحت مجموعة من الإتفاقيات والقرارات الدولية بالتزام الدولة بحماية البيئة، والذي يبرهن على وجود عرف دولي في هذا الإتجاه، وعلى الرغم من حداثة المسائل المتعلقة بحماية البيئة فإنها تدخل ضمن إطار القانون الدولي لحقوق الإنساني، فحماية البيئة تعتبر جزء من الحقوق الأساسية للإنسان، معترفا بها على مستويين الدولي والداخلي على السواء، إذ أن البيئة تمثل نوعا من الحفاظ على حق الإنسان بالحياة.
4. إن مسؤولية الدولة عن الأضرار البيئية في وقت السلم تضم مبدأ مسؤولية الدولة عن خرق القانون الدولي، وكذلك مبدأ مسؤولية الدولة عن الأضرار الناشئة عن أنشطة مسموح بها بموجب القانون الدولي، والمبدأ العام في القانون القائل بأن الدولة ملزمة بأن تحمى داخل إقليمها حقوق الدول الأخرى في السلامة الإقليمية وحرمة أراضيها، قد توسعت رقعته على مر السنين من خلال الأعراف التي طبقتها الدول ومن خلال القرارات القضائية التي تغطي الأضرار البيئية عبر الحدود.
5. الإلتزام التام الواقع على الدول فيما يتعلق بالأضرار البيئية عبر الحدود أيده من جديد إعلان ريودي جانيرو، وفي كلتا الحالتين كان هناك تأكيد بأن على الدول المسؤولة كفالة أن الأنشطة التي تبذل في نطاق ولايتها أو رقابتها لا تسبب أضرارا لبيئة الدول الأخرى أو حالات خارجة عن حدود الولاية الوطنية، وأدرك فيما بعد بعبارات مماثلة في فقرات الديباجة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992، وفي المادة من إتفاقية الأمم لمتحدة بشأن قانون البحار لعام 1982، وفي المادة من إتفاقية التنوع البيولوجي لعام 1992.
6. كان هدف القانون الدولي الإنساني ليس منع الحروب، وإنما أنسن الحرب، فإن هدف النصوص المتعلقة بحماية البيئة ليس استبعاد الأضرار التي تقع على البيئة وقت النزاع المسلح، وإنما الحد من الأخطار التي قد تلحق بالبيئة، وقد أكد مؤ تمر خبراء الصليب الأحمر في فيينا علم 1972 على حق الدولة في حماية الضمنية والصريحة للبيئة من خلال القانون الدولي الإنساني.
وعليه لا يمكن تغيير ما يحدث، وتبقى المتجاوبات الدولية والاقليمية والمصالح هي المحرك الاساسي لتدخل الدول لحماية البيئة، بل يجب ازالة العوامل التي يشهدها عالمنا المعاصر اليوم، والتي قد تؤثر بطريق مباشر او غير مباشر على مصير البيئة.
و وددت اخيرا وليس اخرا ان اقدم بعض النتائج والتوصيات التي من شأنها ان تؤدي الى اليات فعالة لحماية البيئة من منظور مبدأ الاهداف غير العسكرية في زمن النزاعات المسلحة وهي كالتالي :/
اولا النتائج:
1) على الرغم من وجود الاتفاقيات الدولية لحماية البيئة في زمن النزاعات المسلحة إلا ان اعمال الاضرار بالبيئة ما زالت مستمرة في العديد من انحاء العالم.
2) تقاعس بعض الدول عن التوقيع على الاتفاقيات الدولية المعنية لحماية البيئة.
3) تهاون الدول في تنفيذ التزاماتها، وانكارها لالتزاماتها اتجاه بعضها البعض، بل انكار الدول لوجود أي ضرر بيئي بسبب النزاع المسلح.
4) الالتزام التام الواقع على الدول فيما يتعلق بإرساء استراتيجية دولية لحماية البيئة، وقد ذلك رسميا بعد القمة العالمية للأرض بريودي جانيرو سنة 1992، او تلك التي جاءت بعد تأسيس "لجنة الامم المتحدة لحماية البيئة" وكذلك التي بادرت بها منظمات مدنية دولية رائدة في مجال حماية البيئة كـ "غريس بيس" وغيرها.
ثانيا: التوصيات:
1) على نوصي جميع الدول التعهد بتطبيق الاتفاقيات الخاصة لحماية البيئة زمن النزاعات المسلحة أي اتفاقيات القانون الدولي الانساني، وذلك على وجه الالزام.
2) ضرورة التفكير الجدي والصارم في نظام حماية جديد للبيئة يتلائم مع التطورات التي يشهدها العالم لا سيما في المناطق التي تشهد تطور تكنولوجي وعسكري سريع.
3) السعي الحثيث لمحاولة حل النزاعات المسلحة بالطرق السلمية تجنبا للحروب وويلاتها والتي قد تنعكس حتما على البيئة كما يحدث اليوم في سوريا.
4) على الدول كلها ان تعمل بحزم من اجل متابعة ومعاقبة منتهكي سلامة البيئة زمن النزاعات المسلحة امام المحاكم الجنائية الدولية.
5) ملائمة مختلف التشريعات الوطنية مع مواثيق ومعاهدات حماية البيئة الدولة
6) ضرورة انضمام جميع الدول الى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتفعيل دورها في العمل على حماية البيئة.
7) فرض عقوبات دولية صارمة على الدول او الافراد او الهيئات التي يثبت تورطها في انتهاكات القانون الدولي في مجال حماية البيئة زمن النزاع المسلح.
8) ضرورة الحد من انتشار الاسلحة الخطيرة أي النووية والكيمائية ـ وتفكير الدول الكبرى بحد في اخلاء العالم من تلك الاسلحة الفتاكة .
9) تطوير اساليب الرقابة الدولية لتنفيذ قواعد القانون الدولي في مجال حماية البيئة زمن النزاعات المسلحة، ومضاعفة المنظمات العاملة في مجال الحقل البيئي وزيادة الدعم المالي لها.