Abstract:
لقد أصبح من المسلّم به اليوم أن الجريمة المعلوماتية تمثّل أحد أبرز التحديات القانونية في العصر الرقمي، لما تتصف به من خصائص تقنية معقدة، وسرعة الانتشار، وصعوبة الإثبات، وتعدد الأبعاد (الوطنية والدولية). وقد حاولت هذه الدراسة تسليط الضوء على الجانب الوقائي في القانون الجزائري، كآلية استباقية تهدف إلى الحد من ارتكاب الجرائم المعلوماتية، والتقليل من آثارها القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
ففي الفصل الأول، تم تناول الإطار المفاهيمي للجريمة المعلوماتية، من خلال تعريفها وبيان خصائصها وأركانها، مع محاولة فهم الصعوبات التي يواجهها المشرع الجزائري في تكييفها وتجريمها بسبب تطورها المستمر، وغموض طبيعتها الفنية، وارتباطها بشبكات دولية عابرة للحدود. كما تبين من خلال تحليل موقف التشريع الجزائري أن غياب تعريف قانوني دقيق للجريمة المعلوماتية يُعد من أبرز نقاط الضعف، وهو ما قد يؤثر على توحيد المفاهيم القانونية ويعرقل الإجراءات القضائية.
أما في الفصل الثاني، فقد تم التطرق إلى الإجراءات الوقائية المعتمدة في القانون الجزائري، من خلال تصنيفها إلى تدابير موضوعية (تشريعية وأمنية وتقنية)، وتدابير إجرائية (قضائية وتحقيقية). واتضح أن المشرع الجزائري أدرج مجموعة من الآليات القانونية في قانون العقوبات، ولا سيما بعد تعديلاته الأخيرة، إضافة إلى ما جاء في القانون رقم 18-05 المتعلق بالجريمة الإلكترونية، وذلك بهدف تأمين النظم المعلوماتية، وحماية المعطيات، وتنظيم تداول المعلومات. كما أن هناك مجهودًا معتبرًا في دعم أجهزة التحري والتحقيق، من خلال إسناد صلاحيات موسعة للجهات القضائية، وتوفير وسائل تقنية متطورة لمتابعة وتتبع الجرائم المعلوماتية.
غير أن هذه الجهود، على الرغم من أهميتها، ما زالت تعاني من نقائص متعدّدة، سواء على مستوى النصوص أو على مستوى الممارسة، مما يستدعي تعزيز البنية التشريعية وتدعيم القدرات المؤسساتية للتعامل مع الجرائم الرقمية.
النتائجالمتوصّلإليها:
غياب تعريف دقيق وشامل للجريمة المعلوماتية في التشريع الجزائري يخلق فراغًا قانونيًا ويؤثر على فعالية الردع والوقاية.
الوقاية من الجرائم المعلوماتية في الجزائر لا تزال محدودة من حيث العمق التقني، وتعتمد غالبًا على نصوص عامة قد لا تواكب تطور أنماط الجريمة.
توجد محاولات قانونية مهمة لتجريم بعض الأفعال المعلوماتية، خصوصًا في قانون العقوبات المعدل والقانون 18-05، لكنها تبقى غير كافية في ظل تزايد أنواع الهجمات الإلكترونية.
السلطات القضائية والأمنية بدأت تكتسب خبرة تقنية من خلال إنشاء أقطاب متخصصة، وتمديد صلاحيات الضبطية القضائية، وهو ما يمثل نقطة إيجابية في مجال الوقاية.
صعوبة الإثبات الإلكتروني تظل من أبرز العوائق الإجرائية، وهو ما يستدعي تدعيم وسائل التحري الإلكترونية، وتمكين القضاء من أدوات أكثر حداثة وفعالية.
التوصيات:
ضرورة تبني تعريف قانوني شامل للجريمة المعلوماتية في النصوص الجزائرية، لتوحيد التكييفات القانونية وتسهيل الإجراءات القضائية.
مراجعة وتحيين القوانين بصفة دورية لمواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة، خاصة ما تعلق بالذكاء الاصطناعي والهجمات السيبرانية.
تعزيز التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات والأدلة الرقمية، خاصة أن أغلب هذه الجرائم تتجاوز الحدود الوطنية.
تكوين متخصص للقضاة، المحققين، وأعوان الضبط القضائي في مجال الجريمة الإلكترونية، من خلال برامج تكوين دورية بالتنسيق مع خبراء الأمن السيبراني.
إطلاق حملات توعية وطنية حول الوقاية الرقمية لفائدة المؤسسات والمواطنين، من أجل خلق ثقافة أمن رقمي وقائي.
في الأخير، فإن الوقاية من الجرائم المعلوماتية لا تقتصر على الجانب التشريعي فقط، بل تتطلب مقاربة شاملة تشمل التربية الرقمية، والإعلام، وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب تطوير البنية القانونية والمؤسساتية، حتى يتمكن المجتمع الجزائري من مواجهة هذا التحدي الرقمي المستمر بفعالية واحترافية.