الخلاصة:
إن التقدم السياسي و الاجتماعي و الثقافي لأي مجتمع مرهون بالعمل الذي يقاس بمدى تحقيقه من انجازات و تحديات على مر الأزمنة و العصور و هو المعيار الذي يبرز مكانة وسيادة المجتمع ،و لذلك تصنف المجتمعات المتقدمة و المتخلفة في نظام عولمي تتسارع تلك المجتمعات للوصول إلى هذه المكانة التي بها تحقق السعادة و الرفاهية.
و بحكم الحياة المعاصرة التي تفرض على الفرد مطالب جديدة و مستمرة و أدوار مختلفة تماشيا مع العصر و ما التحق به من تغير وتطور مستمر،أصبح العمل اليوم يحمل في طياته ضغوطا نفسية و مهنية ناجمة عن أعباء المهن و متطلباتها وأصبحت بيئة العمل مليئة بالإحباط ،و الصراع و أصبح العامل يسعى وراء تحقيق المكانة و المكاسب المادية و بذلك تلاشت القيم الاخلاقية و تدهورت العلاقات المهنية ،التي أثرت سلبا على الأداء و التوافق المهني و من ثمة فبدل أن يكون العمل سلاحا لتحقيق الذات و الرفاهية للمجتمع ،تحول الى مصدر لتخلفه و لمرضه.
والضغوط النفسية في العمل جانب هام من ضغوط الحياة ،فهي ظاهرة نفسية مثل مثلها القلق والعدوان وغيرها لا يمكن إنكارها بل يجب التصدي لها من قبل المختصين لمساعدة العامل على التكيف مع عمله وصولا إلى زيادة الإنتاج وجودته وبالتالي تنمية اﻟﻤﺠتمع و تقدمه وحسب تصنيف منظمة العمل الدولية تعد مهنة التدريس من أكثر مجالات العمل ضغوطا ، وذلك لما تزخر به البيئة التعليمية من مثيرات ضاغطة يرجع بعضها إلى شخصية الأستاذ التي تحدد قدرته على التكيف مع المتغيرات السريعة والكبيرة في مجال التعليم ومؤسساته و إلى ما ينظم أو يقيد عمله من قرارات ولوائح وقوانين ويرجع البعض الآخر إلى البيئة الاجتماعية الخارجية التي يعيش فيها الأستاذ ومدى تقديرها لدوره ولأهمية التعليم.
إذا كان مهما التصدي للضغوط المهنية للعمل عامة ، فالتصدي لضغوط مهنة التدريس أهم بكثير وذلك من منطلق خطورة استمرار تلك الضغوط النفسية التي تؤدي في ﻧﻬايتها والتي تتميز بحالات التشاؤم واللامبالاة إلى مرحلة الاحتراق النفسي و قلة الدافعية ، فقدان القدرة على الابتكار في العمل ، والقيام بالواجبات بصورة آلية أي أﻧﻬا تفتقد إلى الاندماج الوجداني الذي يعتبر أحد الركائز الأساسية لمؤشرات التكيف لدى الأفراد مما يؤدي إلى إﻧﻬاك الفرد وقلة كفاءته ويعمل على زيادة الآثار السلبية في حياته ويعد اهتمام كل الدول الحضارية الكبرى بالمدرس دليلا على أن التعليم لم يعد قطاعًا استهلاكيًا بل هو من أهم مجالات الاستثمار - الاستثمار البشري- كما أن التعليم هو الأداة الأولى والأكثر فاعلية في تطور وتنمية المجتمع لأن المدرس هو المؤسس الأول للشعوب, فهو الذي يشكل التلاميذ في جميع مراحل التعليم المختلفة فإذا أحسن التشكيل أصبحت الإفادة شاملة لكل الأجيال الصغيرة حتى تكبر فهي نواه المستقبل
ولعل الإضرابات المتكررة و المفتوحة التي قام ﺑﻬا أساتذة التعليم الثانوي خلال السنوات الأخيرة والتي شلت المؤسسات التربوية لفترات طويلة ومتقطعة ، دليل على رفض الأساتذة لواقعهم المهني المعاش ؛ وسعيا منهم إلى توفير ظروف وأحوال عمل أحسن،ولضمان درجة مناسبة من الأمان والاستقرار الوظيفي كما قد تكون هذه الحركات الاحتجاجية وغيرها من مظاهر الاستياء نتيجة لتعرض أساتذة التعليم الثانوي كغيرهم من العاملين في ميادين الخدمات الاجتماعية الإنسانية لكثير من الضغوط المتولدة من مصادر شتى. وعليه و قصد تشخيص ظاهرة الضغوط المهنيه لدى أساتذة التربية البدنية و الرياضة ارتأينا القيام بدراسة ميدانية ، تقوم على أسس علمية ومنهجية واضحة ، لتقصي حقيقة الضغط المهني لدى هاته الفئة لمعرفة مصادره ومسبباته ، ولقد تضمن البحث العمل التالي :
تم تخصيص المدخل الأول كمدخل عام لتقديم الموضوع والخطوط العريضة له ، من خلال المقدمة طرح الإشكالية صياغة الفرضيات بيان أهداف البحث و أهمية البحث ، المصطلحات المستخدمة في البحث ، وأخيرا الدراسات السابقة والمشاﺑﻬة.
أما الفصل الأول فقد تطرق إلى شخصية أستاذ التربية البدنية و الرياضة و مهامه ، دوره و صفاته أما الفصل الثاني فقد تم تخصيصه لمفهوم الضغوط المهنية من خلال تعريفها لغويا و اصطلاحيا ، ذكر لمحة تاريخية عن ظهور هذا المصطلح في مختلف الميادين انطلاقا من جانب الواقع و وصولا إلى الميدان الرياضي و مراحل عملية الضغط ، أنواع الضغوط ، ومن ثم استعراض مختلف النظريات والنماذج المفسرة للضغوط ثم الفصل الاخير و المتعلق بالجانب التطبيقي من منهجيته المستخدمة و التطرق إلى تحليل النتائج و الخروج بتوصيات و اقتراحات.