Abstract:
تعتبر مشكلة السببية من أبرز وأهم القضايا التي شغلت فكر الإنسان منذ القديم، ولهذه المشكلة أهمية رئيسية وذلك لأنها مفتاح المعرفة الثابتة وأساس صياغة القوانين التي يفترض أن الكون يسير بمقتضاها، ففكرة السببية إطار لابد أن تمر به سائر معطيات الوجود لتصبح علاقة معقولة يحيط بها علم الإنسان، ولو افترضنا أنه لا مجال للحديث عن وجود سببية بين الحوادث والأشياء أي وجود سلسلة من العلل والمعلومات المترابطة لها كانت هناك معرفة جديرة بالإنسان العاقل فبالنسبة للإنسان الذي يتمتع بإمكانية التفكير تمثل له العلة إسم العوامل التي تقذف تيار التأمل ويتبلور في ذهنه مفهوم لها ؟ هذا المفهوم الذي يطرحه الذهن عن سبب وعلة الأشياء، فالطبيعة تمثل أوليات ما يدركه البشر مبادئه الاعتيادية وهي من المبادئ العقلية الضرورية لأن الإنسان يجد في صميم طبيعته الباعث الذي يبعثه إلى محاولة تعليل ما يجد من أشياء، وتبرير وجودها باكتشاف أسبابها، وهذا الباعث موجود بصورة فطرية في الطبيعة الإنسانية، إن قضية السببية لاتزال إلى اليوم تثير عدة تساؤلات لدى الباحثين المتعمقين في أسرار العالم الطبيعي وخاصة لدى المهتمين بالدراسات الفيزيائية والكيميائية الدقيقة وليس هذا فقط بل إن مشكلة حقيقة العلاقة بين الحادث السابق الذي نسميه علة والحادث اللاحق الذي نسميه معلول، إن تلك المشكلة لاتزال قائمة إلى اليوم على أننا اليوم في بحثنا نريد أن نقدم طرازاً آخر من البحث والمناقشة حول هذا الموضوع فنريد أن نرى كيف نظر أحد أقطاب الفكر الإسلامي وكيف خطر له أن يدافع عن الشريعة الحنيفة ضد ما في عصره.
يعتنقونها عن مبدأ السببية ذلك هو حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي وقد ناقش هذا في كتابه الشهير "تهافت الفلاسفة" حيث حاول في كتابه هذا الرد على الفلاسفة المسلمين أتباع أرسطو وقد رد عليهم في عشرين مسألة وجعل السببية في المرتبة السابعة عشر والإشكالية المطروحة: هل الإقتران بين الأشياء واجب ضروري أم ممكن؟ ويتجزأ من هذه المشكلة عدة تساؤلات فرعية:
ما هو موقف الغزالي من مشكلة السببية ؟ وكيف حددّ طبيعة العلاقة بين السبب والمسبب؟
وللإجابة على هذه الإشكالية قسمنا بحثنا إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.
في الفصل الأول تطرّقنا إلى محاولة ضبط مفهوم السببية ثم بينّا موقف فلاسفة اليونان في هذه المشكلة وتطرقنا لموقف أفلاطون وأرسطو.
أما الفصل الثاني فتناولنا السببية عند أبي حامد الغزالي حيث فصلنا فيه هذه النقاط منها حياة الغزالي وأصل فكرة السببية عند الغزالي وأخيراً موقف الغزالي من مشكلة السببية.
أما عن المنهج المعتمد في البحث فكان مزيجا من التحليل والسرد فقد اعتمدنا على المنهج التحليلي وذلك أثناء عرضنا الفكرة لدى الفلاسفة لتوضيح البعد الفلسفي والوقوف على كل غموض أو تناقض زيادة على ذلك المنهج التاريخ في الكشف عن أصل الكلمات والمفاهيم وفي تتبع الفترة الزمنية وتسلسل الأحداث أما بالنسبة لسبب اختيارنا لهذا الموضوع فيعود أولاً: لميلنا الشخصي للفلسفة الإسلامية عن غيرها من الفلسفات وذلك لكونها قد تميزت بطابع إسلامي يستمد تعاليمه من القرآن الكريم أعظم كتاب في العالم، وثانيا: لما تميز به فلاسفة الإسلام الذين كان لهم الدور في تطور ورقي الفكر الإسلامي من بين الفلاسفة الذين تأثرنا بطبيعة تفكيرهم الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، والإعجاب بخاصيته في تبني الأفكار وبيان تناقضها وصياغتها بأسلوبه، وقد قسمنا بحثنا هذا إلى : مقدمة، ثلاثة فصول وخاتمة، حيث تناول في الفصل الأول تحت عنوان تصور السببية عند الفلاسفة فيه المبحث الأول عن مفهوم السببية والتصور اللغوي والاصطلاحي لها والفرق بين العلة والسبب، أما المبحث الثاني تضمن السببية عند فلاسفة اليونان اخترنا نموذجين "أفلاطون وأرسطو"، أما المبحث الثالث تناول: السببية عند فلاسفة الإسلام منهم "الكندي وابن سينا"، اما الفصل الثاني: السببية عند أبو حامد الغزالي تطرقنا فيه إلى المبحث الأول: حياة الغزالي ومؤلفاته ونظرية المعرفة عنده في حين المبحث الثاني هو أصل فكرة السببية عند الغزالي المبحث الثالث تناول فيه موقف الغزالي من السببية، أما الفصل الثالث فكان بعنوان أثر الغزالي على الفكر الإسلامي أمثال ابن ماجة وابن رشد والفكر الغربي أمثال ديكارت وديفيد هيوم.
ومن الصعوبات التي واجهتنا هي سعة فكر الغزالي وتعدد آرائه في مسائل مختلفة مثلا صعب علينا استخلاص موقفه في مشكلة السببية خاصة وأن اللغة التي يستعملها تُعد لغة خاصة.
أما بخصوص الدراسات السابقة، فمبلغ علمنا أنه لا توجد أي دراسة لقضية السببية أي من الأعلام التي تعرضت لهذه الدراسة، غير أنه تناول قضية السببية في عدد الدراسات عند الفلاسفة أو التي تناولت السببية في الفكر الغربي.