Abstract:
لم تكن مصالح الدول الأوربية في علاقات مع المغرب واحد ومن هنا فإن اهتمامها بالمغرب لم يكن واحدا مما أدى إلى التنافس فيما بينها إلا أن فرنسا تمكنت من إزاحة هذه الدول من طريقها بعد عقد سلسلة من المفاوضات مع عدد من الدول الأوربية التي انتهت باتفاق الفرنسي الانجليزي و الاتفاق الفرنسي الأسباني و بذلك امتد نفوذها إلى هذه البلاد كما أنها لم تضع في حسبانها بدرجة كافية احتمال تصدي المغاربة لإحباط المشروعات الفرنسية من بلادهم .
كانت حركات الكفاح الوطني التي انتشرت في أنحاء المغرب الأقصى تشبه إلى حد كبير حركات الجهاد مماثلة التي وقعت في إقليم ليبيا ضد الايطاليين و لقد امتدت الثورات ضد نظام الحماية في الأقاليم الأطلس المتوسط و الأطلسي الأعلى و ما وراء الأطلس و في إقليم وزان و كل ذلك داخل منطقة الحماية الفرنسية و عمل الجنرال ليوتي في أول الأمر على محاولة حصر هذه الثورات في مناطقها الحديثة للبلاد .
وجاءت الفترة التالية لنهاية الحرب تشهد ثورة تحريرية في منطقة الريف و التي حاولت أسبانيا أن تمد سلطتها الفعلية إليها و تعتبر هذه الثورة مع إعلان جمهورية الريف مرحلة نضالية في تاريخ المغرب ضد الاستعمار و لم تتمكن القوى الاستعمارية من القضاء على الثورات في المغرب الأقصى إلا بعد أن كتلت جهودها ضد ثورة الريف و بعمليات صعبة هزم محمد عبد الكريم أمام زحف الدولتين ولكن حركته لم تمت فالشعلة التي أضاءها ما خمدت .
قال المستر كورش عضو مجلس العموم البريطاني :( إن عبد الكريم رجل حرب و جلاد وزعيم يعرف كيف يجعل الجماهير تنقاد إليه حتى سار الناس في الهند وبغداد و القاهرة يرون فيه رجلا يصلح أن يكون أمير للمؤمنين و حاملا لسيف الإسلام فإن أصبح و الحالة هذه في مركز يدعو فيه إلى الجهاد في أفريقيا الشمالية و بلاد العرب و الأناضول فإن فرنسا و انجلترا و ايطاليا تتميز من أخطار جسيمة و لا يبعد أن تمس هذه الأخطار دولا أخرى في هذه أيضا .)
لقد كانت عمليات جهاد الريف تمثل فترة واضحة في تاريخ جهاد الشعوب من أجل الحرية و ضد الاستعمار و أثبتت أن هناك رجال يعملون مستندين إلى إسلامهم و إلى حقوقهم الطبيعية لإحلال الحق في النهاية ، كما أثبتت أن الثورة المسلحة هي الطريق الأساسي لإضعاف قوة الاستعمار و انتزاع الحقوق من المغتصبين و أثبتت كذلك أن الثورة لا ترتبط بخطوط معينة ترسم على الخريطة و تقسم الإقليم حسب أهواء المستعمرين و مصائدهم رغم وجود هذه الخطوط على الخريطة بين الأحرار في كل من شمال أفريقيا وترابط واضح بينهم و بين العرب و المسلمين في كل مكان .
و إذا كان عبد الكريم الخطابي قد ذهب إلى المنفى سنة 1926م إن دوره لم ينتهي في تاريخ كفه الشعوب و تاريخ العالم العربي إذ أنه سيكون الروح المحركة للحركات الاستقلالية التي ستظهر في شمال أفريقيا في الفترة الواقعة بعد الحرب العالمية الثانية و حتى جهاد رجال الريف لم يذهب هباء بل كان أساس لنشاط حركات تحررية وطنية في كل من المغرب و الجزائر و أثر على بقية الحركات الوطنية في كل أنحاء العالم العربي في ذلك الوقت