الخلاصة:
تعتبر الفترة العثمانية التي شهدتها الإيالة الجزائرية من أهم فترات تاريخها إذ استطاعت الجزائر من خلالها استكمال أنظمتها وإطاراتها الداخلية وحققت وحدتها الإقليمية والسياسية وظهرت كدولة لها مقوماتها ومكانتها في الميدان الدولي حيث كانت تتمتع باستقلالية مكنتها من ربط علاقات سياسية وتجارية مع أغلب الدول خاصة الدول الأوروبية التي كانت المتعامل الأول والرئيسي معها في جميع المجالات سواء كان في المجال السياسي، العسكري أو الاقتصادي هذا الأخير الذي أخذ حيزا كبيرا ودورا بارزا في بناء وتفكيك العلاقات وكان له أثر مباشر على الأحداث السياسية والنظم الإدارية والحالة الاجتماعية للإيالة الجزائرية.
يمثل هذا القطاع الإطار الخارجي للدولة إذ لا يمكن معرفة تاريخ أي دولة سياسيا أو اجتماعيا إلا بعد التعرف على أوضاعها الاقتصادية. والملاحظ أن جل الدراسات التاريخية حول الجزائر في العهد العثماني قد ركزت على الجانب السياسي والعسكري فيم لم تلقى الدراسات في الجانب الاقتصادي نفس الاهتمام إذ يكفي أن يكون هذا القطاع وحده مجالا للبحث والتفسير للكثير من الحقائق ذات علاقة بالحياة السياسية والعسكرية والثقافية وإذا كانت الزراعة، الصناعة، التجارة تمثل الأنشطة الرئيسية للقطاع فإن الإيالة الجزائرية باعتبارها قد حققت استقلاليتها وفرضت قوتها وانفتحت على البحر فإن التجارة تكون قد استحقت منها اهتماما محوريا في سياستها الاقتصادية، لذلك رأينا تسليط الضوء على دور التجارة الخارجية في العهد العثماني وكيف كانت مساهمتها في منح الجزائر المكانة الدولية وأثرها في تعزيز العلاقات الجزائرية بالدول الأوروبية، وقد ركزنا على فترة الدايات باعتبارها المرحلة التي عرفت فيها الجزائر الاستقلال عن الدولة العثمانية وعلى تصرفاتها الدولية وهي الفترة التي سجلت صراعا مصيريا مع الدول الأوروبية انتهت بالغزو الفرنسي للجزائر 1830م.
أما الأسباب التي دفعتنا لاختيار هذا الموضوع ودراسته تمثلت في أسباب ذاتية وأخرى موضوعية:
فالأسباب الذاتية هي في كون الموضوع جزء من تاريخنا الوطني إضافة لميولاتنا الشخصية للمواضيع ذات صلة بالجانب الاقتصادي كونها مواضيع تعكس صورة تطور وازدهار الدول. فضلا عن المساهمة في إثراء مكتبة قسم التاريخ بجامعتنا بهذا النوع من الدراسات من أجل إيضاح الصورة المكملة لدراسة الجانبين السياسي والعسكري.
أما عن الأسباب الموضوعية تمثلت في:
إبراز أهمية الجانب الاقتصادي للجزائر ودوره في بناء وتفكيك العلاقات الدولية للإيالة.
أهمية التجارة الخارجية وأثرها في تسيير الأحداث السياسية والحالة الاجتماعية في الجزائر أواخر العهد العثماني.
ارتباط هذا الموضوع بالشق السياسي والعلاقات الخارجية الجزائرية وما انجر عنه من تطور الأحداث من تحرشات وحملات عسكرية خارجية كان ختامها الاحتلال الفرنسي للجزائر.
إضافة لكون تجارة الجزائر الخارجية في الفترة العثمانية قد عرفت تذبذبا في مجال المعاملات التجارية والامتيازات الأجنبية كما شهدت احتكارا من طرف بعض الدول كان أبرزها فرنسا واسبانيا ، لذلك سلطنا الضوء على العلاقات التجارية مع كل من فرنسا التي كانت تتعامل مع الشرق الجزائري واسبانيا المتعامل الأول والرئيسي للغرب الجزائري.
و تكمن أهمية الموضوع المدروس في كونه يسلط الضوء على جانب هام في التاريخ الاقتصادي للجزائر خلال الفترة العثمانية كما يصور لنا طبيعة العلاقات الخارجية ومكانتها الدولية آنذاك ويبرز لنا أوضاعها الاجتماعية والسياسية ومدى ارتباطها بالنشاط التجاري الخارجي ومساهمته في بناء الهيكل الخارجي والداخلي للإيالة الجزائرية وتأثير العلاقات التجارية على استقرار الدولة
وانطلاقا مما سبق ولمعالجة هذا الموضوع نطرح الإشكاليات التالية:
1. كيف كانت أوضاع الجزائر في النصف الثاني من القرن18م ؟
2. ماهو الدور الذي لعبته التجارة في الخارج وفي الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط ؟
3. فيم تمثلت مظاهر العلاقات التجارية الخارجية للإيالة الجزائرية ؟
4. ماهي العوامل المتحكمة في النشاط التجاري الخارجي ؟ وما مدى انعكاس هذا الجانب على حياة الجزائريين ومستقبل الدولة الجزائرية ؟ وإلى أي مدى ساهمت في تعزيز مكانة الجزائر؟
ولدراسة هذا الموضوع اعتمدنا على خطة تتضمن فصل تمهيدي وثلاثة فصول، فالفصل التمهيدي عنوانه " أوضاع الجزائر في النصف الثاني من القرن 18م"حيث عالجنا فيه ثلاث عناصر، تناولنا في العنصر الأول الأوضاع السياسية وتطرقنا من خلاله لنظام الحكم في عهد الدايات والتنظيم الإداري للإيالة الجزائرية ثم التنظيم السياسي المتمثل في الوظائف الحكومية وأخيرا العلاقات السياسية الخارجية للجزائر مع دول المغرب العربي ومع بعض الدول الأوروبية. أما العنصر الثاني خصصناه للأوضاع الاجتماعية قصد إعطاء صورة واضحة عن حالة السكان، البنية الاجتماعية، عدد السكان، وضع التعليم والحالة الصحية، وآخر عنصر هو الأوضاع الاقتصادية درسنا من خلاله:
1 ـــــ الزراعة: أهم المحاصيل الزراعية، مراكز الإنتاج ومشاكل الزراعة.
2 ــــــ الصناعة بنوعيها التقليدية والتحويلية، أهم الصناعات والصعوبات التي واجهت الصناع
وأخيرا التجارة وخصصنا هنا ذكر التجارة الداخلية أهم الأسواق والمراكز التجارية، الطرق، حركة التجارة وأنواع المبادلات، واستثنينا ذكر التجارة الخارجية ذلك أنها الموضوع المدروس والتي سنتطرق إليها من خلال الثلاث فصول الآتية.
وبالنسبة للفصل الأول تحت عنوان " العلاقات التجارية الخارجية مع فرنسا 1780م-1830م " تناولنا خلاله الامتيازات التجارية الفرنسية في الجزائر وأهم المؤسسات المتمثلة في الشركة الملكية الإفريقية، الوكالة الإفريقية ثم دور شركة اليهوديين بكري وبوشناق في التجارة بين الجزائر وفرنسا وأخيرا شركة السيد باري ومدى مساهمتها في العلاقات التجارية، وفي العنصر الثاني تمثل في التبادل التجاري أي الصادرات والواردات، وفي العنصر الثالث تناولنا تقييم التبادل التجاري أي الميزان التجاري من خلال الصادرات والواردات ، أما آخر عنصر فدرسنا من خلاله حركة النقل التجاري بين الدولتين، الأساطيل التجارية، أنواع الرسوم الجمركية المفروضة على أنواع المبادلات التجارية .
وفيما يخص الفصل الثاني تحت عنوان " العلاقات التجارية مع اسبانيا 1780-1830 " تناولنا من خلاله الشركات الاسبانية والمتمثلة في شركة كمبانا، شركة غاريغو، شركة باترو، شركة صيد المرجان، شركة قويناش، أما العنصر الثاني تمثل في المبادلات التجارية بين الجزائر واسبانيا ( الصادرات والواردات ). وفي العنصر الثالث: تناولنا تقييم التبادل التجاري أي الميزان التجاري ، أما العنصر الرابع كان تحت عنوان " حركة التجارة بين الموانئ الجزائرية والاسبانية ".
والفصل الرابع: كان تحت عنوان " العوامل المتحكمة في التجارة " ومن خلالها تناولنا الدور الدبلوماسي واحتكاره في التجارة كما ذكرنا فيه أنظمة التعامل التجاري المتمثلة في العملة ، الأوزان والمكاييل ، كما تطرقنا فيه إلى العوامل التي أضرت بالتجارة وذكرنا احتكار البايلك للتجارة ودور اليهود في التجارة الجزائرية وعجز الميزان التجاري.
أما الملاحق فهي عبارة عن بعض المعاهدات التجارية والسياسية إضافة لخرائط توضيحية عن التقسيمات الإدارية، الطرق التجارية الداخلية والخارجية ومخططات لأهم الأسواق، كما استعملنا جداول إحصائية لبعض أنواع المبادلات التجارية ( الصادرات والواردات ) إضافة لملاحق أخرى تتعلق بالعملات وجوازات السفر للسفن التجارية كذلك بعض المعاهدات السياسية التي لها علاقة بالمسائل التجارية.
و اعتمدنا في إنجاز موضوعنا هذا على مجموعة من المصادر والمراجع من بينها:
أ/ المصادر:
حمدان خوجة " المرآة ".
محمد بن ميمون الجزائري " التحفة المرضية في الدولة البكداشية في بلاد الجزائر المحمية ".
مذكرات أحمد شريف الزهار فضلا عن مذكرات القنصل الأمريكي ويليام شالر.
صالح العنتري " فريعة المنسية في حال دخول الترك بلد قسنطينة واستيلاءهم على أوطانها أو تاريخ قسنطينة ".
آغابت عودة المزاري " طلوع سعد السعود في أخبار وهران و الجزائر واسبانيا وفرنسا إلى أواخر القرن الثامن عشر".
ب/ المراجع:
_ محمد العربي الزبيري " التجارة الخارجية للشرق الجزائري".
_ ناصر الدين سعيدوني " النظام المالي للجزائر أواخر العهد العثماني 1792م-1830م ".
_ أحمد توفيق المدني " حرب الثلاث مئة سنة بين الجزائر واسبانيا و كتاب محمد عثمان باشا داي الجزائر 1766-1791م ".
_ مولود قاسم نايت بلقاسم " شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية " .
أما بالغة الأجنبية اعتمدنا على:
GARA DEL AGUILLA(L)"Les Espagnoles en Afrique les relations politiques et commerciales avec l agence d Alger de1786-1830"Sind, thèse doc,3 siècle Bordeaux 1974.
Marseille,(E)Essaie d une marine marchande Barbues que au X V I I I Siècle les cahiers Tunisien,1955,N1.
غير أن هذه المصادر و المراجع لم تكن كافية في نظرنا لمعالجة هذا الموضوع. ولغرض الإحاطة بمختلف جوانب هذا الموضوع اتبعنا المنهج التاريخي بصفة رئيسية بالنظر للطابع التاريخي للدراسة كما اعتمدنا على المنهج الإحصائي تماشيا مع طابع الموضوع ،كما اعتمدنا على المنهج التحليلي الاستقرائي بقصد تحليل الأحداث والاستفادة منها في فهم أبعاد الموضوع وتجلياته على واقع ومستقبل الجزائر وكيف يستفاد منها في بناء الركائز الاقتصادية بناءا على التجربة الماضية.
وقد واجهتنا عدة صعوبات وعراقيل في إعدادنا لهذا الموضوع من بينها:
قلة المراجع والمصادر المتخصصة في هذا الموضوع.
ضيق الوقت الذي حال دون إنجاز مذكرة أكاديمية بكل المقاييس.
عدم إتقاننا للغات الأجنبية صعب علينا الاستفادة من الكتب الأجنبية.
أغلب المصادر والمراجع تتكلم عن المدن الساحلية وأهملت دور المدن الأخرى في النشاط التجاري الخارجي مما حتم علينا دراسة نشاط المدن الساحلية أكثر.