الخلاصة:
مثلت الثورة الفرنسية خطوة واضحة في تاريخ أوروبا، حيث ساعدت بانتقالاتها السريعة على
سرعة تطور الأحداث، وأيقظت آمالا وزادت من حماس أوروبا، فقد هدفت إلى تحرير الحياة
السياسية من استبداد الملكية التي طغت في البلاد ، فرغم قيام الثورة في فرنسا إلا أنها جاءت
لتعالج أمراضا كانت قد سادت أوروبا، وجعلت من ملوك أوروبا والأرستقراطية يشعرون بأنها
أصبحت مهددة لهم مما أدى إلى ردود فعل عنيفة ضدها .
إن فهم الثورة الفرنسية يصبح مستحيلا إلى نحن عزلنا تطوراتها الداخلية عن ظروفها
الخارجية، فكلما أمعنا النظر في سير أحداثها يتضح أن المرحلة الأخيرة كانت ترتبط بالحرب
التي استمرت دون أن تترك أي فسحة للسلام طوال 23 عام، حيث كانت النية الصريحة
ٕ عادة النظام القديم
لأولئك الذين حاربوا فرنسا هي مقاومة الثورة ومبادئها وا .
كما أن الحروب المستمرة بين فرنسا وانجلترا وحلفائها مدة طويلة، جعل استقرار العديد من
الدول مرتبط بهذا الصراع حتى انتصار الانجليز وحلفاؤهم على "نابليون" عام 1815. م
ففي أثناء هذه الحروب ظلت مصر رغم خروج الفرنسيين منها تحتل مكانا ظاهرا من تفكير
و مجهودات السياسين والعسكريين من كلا الطرفين بصورة جدية لذلك كان استقرار الأحوال في
هذه البلاد مرهون بتقرير السلام العام في أوروبا كما كان يتوقف على قيام حكومة قوية في
مصر ذاتها من جهة أخرى، نتيجة لما نجم عنها من عوامل أثرت على مجرى الوقائع في
مصر وهذا عن الفوضى التي حلت بالبلاد إثر جلاء الفرنسيين عنها من خلال النضال الشديد
بين السلطات الثلاث التي خلفتهما الحملة في مصر وهي قوات الإنجليز والعثمانيين والمماليك
الخاتمــة
141
من أجل الاستئثار بالسلطة والنفوذ مما نجم عنه ظهور "محمد علي" ليستفيد من هذه الظروف
واستخدامها لمصلحته .
لكن العاصفة التي اجتاحت أوروبا طوال ما يقارب ربع قرن قد انتهت وسرعان ما استأنفت
الدول حياتها وغاياتها وأساليبها القديمة من خلال مؤتمرات 1814م و1815م، هذه المؤتمرات
التي أنهت الصراع الطويل بين الثورة الفرنسية والدول الأوروبية الحاقدة عليها، والتي لم تراعي
الاعتبارات القومية والطموحات الجديدة للشعوب الأوروبية، فعادت الملكية من جديد وبدأت
تجربة الملكية الدستورية في سنة 1815م، التي هدمت من خلالها جزءا كبيرا من الثورة. فعودة
الملكية إلى فرنسا تعني عودة فرنسا إلى حدودها القديمة، وفيما عدا ذلك لم يكن للتغييرات من
هدف سوى إعادة التوازن الأوروبي من جديد وانتهاء فترة طويلة من الحروب والمتاعب.
فاعتبرت كلمة الحرية والمساواة والايخاء والإنسانية كلمات لها ارتباطات خطيرة في أذهان
الشعوب الأوروبية.