الخلاصة:
الدراسة لموضوع حملة أحمد المنصور الذهبي على السودان الغربي نجد تضاربًا في أراء المؤرخين حول هذه الحملة ، فمنهم من يعتبرها تدخل في نطاق الجهاد ونشر الإسلام ، والبعض الآخر يعتبرها غزوا و إعتداءًا على بلد مسلم وهذا الرأي أقرب ما يكون للواقع وذلك لعدة إعتبارات نذكر منها :
* تعد فكرة غزو بلاد السودان الغربي هدفا من الأهداف التي كان يسعى السلاطين السعديين إلى تحقيقها وذلك منذ عهد السلاطين الأوائل ، وخاصة في عهد السلطان أحمد الأعرج ، وتجلى ذلك في فترة حكم السلطان أحمد المنصور الذي أرسل حملة عسكرية إلى هذا البلد مُتخذا من النسب الشريف ذريعة لتبرير هذه الحملة .
* أن أهل الصنغاي كانوا مسلمين قبل دخول المغاربة للبلاد وهذا ما تؤكده جل المصادر السودانية و المغربية ، حتى ولو فرضنا أن أهل الصنغاي ليسوا مسلمين فهل يخول لأحمد المنصور فعل ما فعله .
* رغبة أحمد المنصور في توسيع مملكته ودليل ما قاله لحاشيته لما جمعهم ليستشيرهم في أمر إرسال الحملة إلى السودان الغربي : "ونحن اليوم قد إنسدت علينا أبواب الأندلس بإستيلاء العدو الكافر عليه جملة وإنقضت عنا حروب تلمسان ونواحيها من الجزائر بإستيلاء الترك عليها".
* أن الحملة جاءت في وقت تعيش فيه الدولة السعدية شبه أزمة مالية نظرا لتأسيس جيش نظامي وما يتطلبه هذا الأخير(الجيش) من مصاريف مالية باهظة.
* كما كان هدف هذه الحملة هو السيطرة على ثروات المنطقة من ذهب وملح ، وهذا الأخير تنازع عليه سلاطين المغرب مع سلاطين صنغاي منذ النصف الأول من القرن العاشر هجري والسادس عشر ميلادي ، فقبل الحملة تقدم المنصور بطلب إلى ملك الصنغاي الأسكيا إسحاق سنة 1590م يطلبه فيه مقدارا من الذهب على كل قطعة ملح تخرج من تغازة ، وهذا ما يؤكد أطماع المنصور في الذهب السوداني ودليل ذلك كمية الذهب التي حملت للمغرب بعد الحملة على بلاد السودان الغربي ، فقد أورد صاحب كتاب (الدولة السعدية التكمادرتية) :"... وإجتمعت عنده الأموال والذخائر والمماليك ، أخد نصف المحلة وإرتحل نصفها مع المال ، و توجهت إلى مراكش ، فلما قاربت المدينة خرج القواد و الأكابر إلى لقاء المحلة و الذخائر ، فدخل لدار السلطان إثنى عشر مائة مملوك بين الجواري و الغلمان ، وأربعون جملا من التبر وأربعة سروج من الذهب وأحمال كثيرة من العاج ... فتدخر من ذلك مولاي أحمد الذهبي ، و قوي ملكه وبقيت جباية السودان تأتيه كل سنة ....".
* قيام الجيوش المغربية بالإستيلاء على أموال أهل الصنغاي .
* قتل وإهانة العلماء والإستيلاء على أموالهم والإعتداء على حرماتهم وإرسالهم مصفدين بالسلاسل إلى مراكش .
* كما نتج عن هذه الحملة دمار وخراب وشل الحركة التجارية التي كانت تنشط في المنطقة ، وقطع الطرق التجارية الواصلة من إلى مدينة تنبكت وبالتالي عزل المدينة عن أهم المراكز التجارية الواقعة في الشمال والتي ربطتها علاقات تجارية متبادلة منذ القدم .
رغم كل هذه السلبيات لا ننفي وجود بعض الآثار الإيجابية للمغاربة أثناء حكمهم لبلاد السودان الغربي ، ولكن هذه التأثيرات لم تكن بالشكل الكبير وهذا ما إستنتجناه بعد دراستنا لأوضاع السودان الغربي في عهد الأسكيين ، فمثلا أدخل المغاربة الأوزان والمقاييس والمكاييل في المجال الإقتصادي ، كما كان للأندلسيين التأثير الأكبر في الجانب الإقتصادي نتيجة إهتمامهم بالزراعة بإستعمال تقنيات حديثة ، أما في الجانب الثقافي فقد أدخل المغاربة علم التراجم والذي لم يكن معروفا من قبل ، كما لم يكن هناك تأثير كبير في الجانب الإجتماعي عدا تغير النظام الطبقي نتيجة قدوم بعض الأجناس المختلفة من عدة مناطق .
ومما سبق ذكره يتضح لنا أن الحملة التي قام بها السلطان أحمد المنصور الذهبي على بلاد السودان الغربي ما هي إلا غزوة هدفها سلب الأموال و إخضاع المنطقة والإستفادة من خيراتها وخاصة معدن الذهب الذي حُمل إلى المغرب بعد الدخول لبلاد السودان الغربي مباشرة .