Abstract:
الجهود الأولى التي أرست دعائمها في التحليل من أجل بلورة نظرية في السرد، تجاوزت بها مقاربة
الخطابات السردية البسيطة إلى الأعقد منها التي عجزت المناهج الكلاسيكية في دراستها، والتي
أثمرت قراءات للخطاب السردي مبنية على أساس علمي، انتقلت إلى الدراسات النقدية العربية
بفعل التلقي، وشهد من خلاله جهود مميزة وجادة، إلا أن أغلب هذا التلقي اتسم بقلة فهم
أصولها وخلفياتها وعدم الالتزام بسماتها العلمية. أبان الناقد على وعيه بالآليات الإجرائية في التحليل من خلال ما تنبه إليه من خصوصية
الزمن في الخطاب السردي، وما اقترحه من ترتيب على مستوى المقولات بجعل دراسة الصيغة
بعد الزمن، مسقطا في دراسة الصيغة الصوت السردي وضاما إياه إلى الرؤية السردية بوصفها
النقدية وسعيه في مناقشة الأطر النظرية لوضع الآليات الإجرائية موضعا يتوافق مع المفاهيم العامة
في تحديدها.
حقق الانتقال من المستوى النحوي إلى المستوى الدلالي بتوضيح دلالات النص،
والبحث في علاقاته وأنواع التفاعلات النصية وأشكالها ومستوياتها مقدما بواسطتها نقلة منفتحة
ورؤية هامة في الدراسات النقدية العربية.
أسس لما يسمح بإقامة الآليات النقدية في المتن التراثي، من خلال إثبتت إمكانية البحث
في الأنواع السردية في إطار مفهوم النص، ووصل الدراسة بالتراث المهمش والمغيب، وجعلها
انطلاقا من اجتهاد مميز في تجنيس الكلام العربي ضمن الأنواع السردية والحكائية لما تزخر به من
إمكانيات إبداعية، متخذا من مبدأ الملاءمة الإجراءات النقدية من السيميائيات السردية للبحث
في السيرة الشعبية وفق المادة الحكائية وما تتضمنه من مقولات، مع توضيح خصوصية هذا النوع
السردي من خلالها.
درس زمن القصة وفق علاقاته بزمن الخطاب والنص لعدم اكتفائه بما تمده السيميائيات
السردية، فبالإضافة إلى مسار الأحداث وكيفية تطوره أشار كذلك إلى ما تشكله من استباقات
واسترجاعات على مستوى مجموع السير كنص واحد، والزمن التاريخي الذي يعبر عن الزمان العام
للسّير، وزمان الإنتاج والتلقي، والحال نفسه في التعامل مع الفضاءات فإلى جانب مجموع التقاطبات
المشكلة على مستوى الممتدة الحكتئية يجعل البحث في الفضتء كذلك على مستوى النص من
خلال الحكي والمجلس في علاقتهما بالمتلقي.
توصل إلى توضيح ميز السيرة الشعبية من خلال البحث في بنياتها الحكائية )الوظائف،
الشخصيات، البنية الزمانية، البنية الفضائية(، وتقديم رؤية جديدة للنص السردي بالاعتماد على
العلاقات القائمة بين المستويات )القصة، الخطاب، النص( في إطار عمل توسيعي لبيان مسار
الوظائف، والشخصيات، والبنى الزمانية الداخلية للسير، والتعالقات الزمانية التي تجمع بينها
وتجعلها متسلسلة ومشكلة لنص واحد، إضافة إلى الكشف عن الفضاءات المكونة للسير
وعلاقات الحكي والمجلس بالمتلقي.
أشار إلى علاقة الترابط بين سرديات القصة وسرديات الخطاب وسرديات النص في
التحليل السردي لجعل السرديات تنفتح على أبعاد النص والمواد الحكائية، محاولا توضيح شمولية
السرديات النصية للفرعين الآخرين، وساعيا في ذلك إلى تعميق البحث وفق الآليات الإجرائية
المستخدمة في دراسة النصوص والخطابات السردية وتحليلها، من دون اكتفاءه بالتناول السطحي
وعدم اعتماده على مجرد الإسقاط الآلي.
كون هدفه في ذلك توسيع السرديات وجعلها علما كليا يشمل دراسة الحكي وفق ما
توفره العلاقات المتاحة بين سرديات القصة والخطاب والنص، أراد من خلالها سعيد يقطين بلورة
سرديات عربية منفتحة تستفيد مما تحقق من نظريات ومعارف معاصرة، بإمكانها مقاربة النص
العربي ومراعاة خصوصيته وتميزه، في مختلف أزمنته وتجلياته.
من هنا بالإمكان الحديث عن ممارسة نقدية عربية واعية، تصل في محاولتها من الاستفادة
من منجزات النظريات المعاصرة ومراعاة خصوصية المتن السردي العربي إلى بلورة نموذج نظرية
تحتذي، ولا أدل على ذلك من أن أغلب الدراسات التي تحاول مقاربة النص السردي وفق النظرية
السردية تستفيد في عملها من اجتهادات سعيد يقطين التي شيد بها أنم وذجا نظريا، ومؤلفاته
المشتركة التي قدم بها مشروعا نقديا منسجما.
وإن كانت الدراسة لا تزعم الدقة فيها بالإطلاق، وتعدها آليات قرائية قابلة للتعديل
والإضافة والتطوير، إلا أنه لابد من الإقرار بكونها تفصح عن وعي نقدي مستحدث بما تملكه من
مرونة في الاستفادة تراعي خصوصية المتن السردي بإشادة العديد من النقاد إلى تشكيل أنموذج
الخاتمة
نقدي يتعين المستويات الثلاث )القصة، الخطاب، النص( دون تغيير الوجهة وبالاعتماد على
السرديات ومحاولة توسيعها، أسهم بها إلى جانب التعريف بتل منهج وتوضيح آليته بتقديم معرفة للنص العربي، وبناء تصور وفهم جديد للسرد العربي، فكان عمله من منطلق لساني نقدا
للتراث وبعثا له من جديد.
ونختم بحاجة النقد العربي المعاصر إلى البحث في اجتهادات العديد من أمثال سعيد يقطين
في سعيهم الدؤوب في البحث النقدي المعاصر، على أن تناقش هذه الاجتهادات دقة المقترحات
والمنتهج النقدية، التي تراعي خصوصية النص وفق الآليات الإجرائية المنطلقة من النص وليست
الخارجة عنه. وهي دعوة لمشاريع بحوث جديدة ت سائل الواقع النقدي العربي المعاصر وتنظر في
مدى وعيه بمستجدات المقاربات النقدية، وتوضح السعي في تطويع آليات النقد التحليلي وفق
النصوص العربية.
وأخيرا آمل أن أكون قد وفقت في هذه الدراسة، التي ستكون فاتحة لدراسات أخرى
وحلقة من حلقات صرح البحث في النقد العربي المعاصر، فما كان فيها من صواب فذلك ما
كنت أرجو، وما كان غير ذلك فحسبي أنني بذلت جهدي والله من وراء القصد.