Abstract:
لقد كان موضوع البحث محل اهتمام واسع من طرف العديد من الباحثين في إطار أبعاده المتعددة سواء ً بالنسبة للأفراد العاملين أو المنظمات حيث أضحى يستحوذ على أهمية بالغة داخل أدبيات واستراتجيات التنمية بالنسبة للمنظمات سواء ً الإنتاجية منها أو تلك المتخصصة في الخدمات وهو ما تطلب منا – في إطار هذه المحاولة المنهجية - الكثير من القراءات العديدة و المستمرة و التي مست عدة اختصاصات علمية كإدارة الأعمال و التسيير المحاسبي للموارد البشرية و علم النفس الصناعي و هو ما أثرى الجانبين النظري و الميداني للموضوع عموما.و في هذا الإطار كان استعمالنا للأدوات المنهجية الكمية و الكيفية كالمنهج الوصفي و المنهج المقارن بمثابة السبيل الوحيد الذي أوصلنا إلى الاقتراب من الميدان عن طريق المؤشرات المنبثقة من فرضيات البحث و التي اخترناها لاستقراء الواقع و استخلاص الارتباطات و العلاقات التي تجمع بين مختلف متغيراته.
من خلال النتائج التي تحصلنا عليها في هذا البحث تبين لنا أن تطبيق نظام تقييم الأداء في مديرية توزيع الكهرباء و الغاز بالأغواط يرتبط مباشرة ً بفهم و وعي الإطارات المسيرة المسؤولة عن التقييم لكيفية تطبيق إجراءاته و ترجمة معاييره إلى معطيات كمية يمكن من خلالها قياس مستويات الأداء لدى الأفراد العاملين في هذه المنظمة و منه الخروج بقرارات تسمح بتطور العامل و المؤسسة على حد سواء.
لقد سمحت لنا هذه الدراسة بالتقرب أكثر من الفاعلين في عملية تقييم الأداء إبتداء ً برئيس قسم الموارد البشرية ، الذي رأينا –نظريا ً- أن عملية تقييم أداء الموارد البشرية تبتدئ و تنتهي عنده ، و هذا ما لم نلمسه ميدانيا ً ، حيث لاحظنا أن كشوف التقييم لا تستغل بطريقة جيدة و لا بموضوعية تسمح بتجميع كل المعلومات الهامة و الأساسية عن مستويات أداء الموارد البشرية و هو ما صعب من مهمة الإدارة في معرفة الاحتياجات التدريبية و طرق الاستفادة من الترقية و كل الأمور المتعلقة بتنمية العنصر البشري داخل المنظمة و هي أمور حيوية بالنسبة لأي منظمة تطمح للنمو و البقاء في البيئة الحالية المتميزة بالتنافس الشديد بين المنظمات ، و خاصة ً في مجال البحث عن الكفاءات.
فعلى مستوى المنظمة محل الدراسة ، توصلنا إلى إثبات أن الخلل الوظيفي على مستوى نظام تقييم الأداء يكمن على وجه الخصوص في طريقة تطبيق إجراءاته و الطرق التي يتم على أساسها ترجمة المعايير إلى نتائج كمية و كيفية تعكس حقيقة ً مستويات و كفاءة أداء العنصر البشري ، رغم أن النظام المعمول به من طرف هذه المنظمة يتماشى و طبيعة نشاطها المتمثل في توزيع الطاقة و تقديم الخدمات التجارية للزبون.فمن خلال النتائج المتحصل عليها في بحثنا ، لمسنا و بشكل واضح تدخل الجوانب الذاتية و الأحكام غير الموضوعية من جانب بعض الإطارات المسيرة و التي ترى في كثير من الأحيان أن الهدف من نظام تقييم الأداء هو مجرد وسيلة اتخذتها المؤسسة الأم ( أي المجمع) لتبرهن على أنها مؤسسة تطبق الإجراءات الحديثة المعمول بها في الكثير من الشركات العالمية الكبرى و أنها تتبع خطوات برامج إعادة تأهيل المؤسسات المشروط من طرف الهيئات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي و البنك العالمي. إن هذه الرؤى لتؤكد النتائج المتحصل عليها من الاستقصاء الميداني و التي توحي بغياب الروح الاحترافيةL’esprit professionnel و النظرة الإستراتيجية عند الفئة المذكورة ، حيث تبين لنا في هذا الإطار أن غالبية المرؤوسين لا يتم استدعاؤهم لحضور مقابلات التقييم و لا تقًدم لهم شروحا ً حول معايير التقييم رغم كونهما شرطان أساسيان في تحقيق فعالية نظام تقييم الأداء.
كما تبين لنا على مستوى محور التدريب أن أغلب العاملين الذين استفادوا من دورات تدريبية (73,91) أكدوا بعدم وجود علاقة بين وظائفهم و مواضيع التدريب التي تلقوها ، إضافة إلى ذلك وجدنا أن أغلب العاملين الجدد ، و هم من خريجي الجامعة لم يستفيدوا و لا مرة من التدريب سواء في إطار الإدماج الأولي مع متطلبات الوظيفة أو الدورة الإعلامية التكوينية la tournée d’information .
أما فيما يتعلق بإجراءات الاستفادة من الترقية على مستوى هذه المنظمة ، فالأمر لا يختلف كثيرا ً عن محور التدريب من الناحية الإجرائية ، فمن خلال النتائج التي تحصلنا عليها ميدانيا ً تؤكد أن الاستفادة من الترقية ترتبط بشكل مباشر بالأقدمية أي معيار الولاء و الوفاء للمؤسسة بالإضافة إلى قدرة العامل على اكتساب علاقات قوية مع المسؤولين و النقابة على حد سواء ، و هي عناصر يسهل على المسؤولين التحكم فيها و توجيهها لتثبيت مكانتهم القيادية داخل المؤسسة و إثبات قدرتهم على توجيه أفعال المرؤوسين. تشير ضمنيا ً هذه المعطيات إلى وجود مؤشرات صراع خفي يظهر على مستوى الكيفية التي تمت من خلالها تطبيق التعليمات الخاصة بتقييم الأداء. و في هذا الشأن ، صرح أحد الإطارات المتوسطة الذين تم تنصيبهم في مهام جديدة (بعد عملية تحيين الهيكل التنظيمي للمديرية) : " في بداية مشواري المهني كنت أعتبر عامل الكفاءة السبيل الوحيد لتقلد المناصب و الاستفادة من الترقية ، لكن اتضح لي فيما بعد أن هناك عوامل أخرى لا يمكن تجاهلها ، و أهمها علاقتي مع النقابة و أصحاب النفوذ في المؤسسة ،و هذا يرجع في نظري إلى صعوبة التقييم...".
في حين يصرح أحد الإطارات دون مسؤولية cadre sans responsabilité hierarchique متسائلا ً أن : " على حسب ما أعرفه عن نظام تقييم الأداء أنه صمم من طرف مكتب دراسات كندي مختص في مجال تسيير الموارد البشرية ، لكن المشكلة في رأيي تكمن في البيئة التي تم فيها إعداد هذه النظام وطبيعة معاييره. فهل يمكننا تطبيقه في بيئتنا المحلية الجزائرية ، بما تحمله من ذهنيات و خصوصيات و إرث تاريخي ؟ ".
تشير هذه التصريحات ، و إن كانت لا تعبر عن رأي الأغلبية ، إلى وجود توافق مع المعطيات الميدانية التي تؤكد أن إشكالية تطبيق نظام تقييم الأداء على مستوى مديرية توزيع الكهرباء و الغاز بالأغواط هي نفسها بالنسبة لمجمع سونلغاز والتي تكمن في طبيعة الاستعدادات الذهنية و العملية للإطار الجزائري المكلف بإشراف و تقييم العاملين التابعين له إداريا ً ، و هو ما أكدته دراسة مشابهة أجريت في مؤسسة عمومية جزائرية على أن صعوبة تقييم الأداء ليس في المناهج النظرية أو الأنظمة، بل يتعلق بكيفية تطبيق هذا التقييم.
من هذا المنطلق و اعتمادا ً على نتائج هذا البحث ، يمكن لنا القول أن تنمية المورد البشري في المؤسسة الاقتصادية الجزائرية –العمومية على وجه الخصوص- يبقى رهين حسن استخدام الأساليب العلمية الخاصة بتقييم الأداء و تدريب القائمين عليه و التأكيد على وجوب إعطاء الأولوية لمبدأ الكفاءة و المردودية الفعلية بما يخدم مصلحة المنظمة و الفرد العامل على حد سواء ، خاصة ً و نحن نشهد في عالمنا اليوم التنافس الرهيب من قبل المنظمات في الظفر بمكانة متميزة لدى الزبائن و اختراق الأسواق بشتى الوسائل المادية و المعنوية. من جهة أخرى ، جدير بالقائمين على تسيير الموارد البشرية التحلي باليقظة الدائمة و استخدام الحوار الاجتماعي le dialogue social كأداة فعالة في تحقيق الانسجام و الموائمة بين إستراتيجية المنظمة و أهداف العاملين، باعتبارهما طرفي المعادلة الإستراتيجية لأي منظمة تسعى لتحقيق الفعالية.
لقد حاولت هذه الدراسة، انطلاقا ً من الأطر النظرية و الدراسة الميدانية ، أن تثري ميدان المعرفة العلمية عموما ً ، و الحقل السوسيولوجي المهتم بالمنظمات على وجه الخصوص ، بمعطيات و نتائج مستقرئة من الواقع دعمتها الخبرة المهنية لصاحب البحث ،و الذي نرجو أن تكون بمثابة قاعدة معطيات تثري أبحاثاً سوسيولوجية مستقبلية.